جامعة القاهرة, ليالي مارس-ابريل ٢٠١١. ليل خارجي. ليل قاسي. افتراش ارضيات رخامية عتيقة اعتراضًا.
ترتبط الأغنية في ذهني بذلك الظلام وذلك الرخام الذي يقض في عظامي ورفاقي. اقول اربعة وكنت خامسهم , اقول خمسة وكنت سادسهم اقول ان الله اعلم بعِدتهم. او ربما اغفلت دقة العدد لأمحي منهم من اريد.
ترتبط الاغنية كذلك بالاعتراض بالصوت المبحوح الشادي و بالصدر العاري وبنشوة الاصرار.
اعتقد ان مزيج موسيقى مسار اجباري وصوت علي الهلباوي وكلمات شاعر سبقته اغنيته صيتًا, ذلك المزيج المركب المعقد صعب التكرار هو نفسه صعوبة تكرار لقاءنا مجددًا.
٢٠١١ : استمع الى اغنية مرسال لحبيبتي صحبة صديقي بندق.
٢٠١٥ : استمع لنفس الاغنية صحبة رفيق له من بندق اسمه.
توفي بندق بعدها بأربعة اشهر, ولم اكن ادري ان شهرة اسمه وانتشاره بين عديد من الشباب لن يكون وحده ما يذكرني به. ففضلا عن التفنن في الدعاء وفضلا عن لحظات الشجن و البكاء, تذكرني به الاغنية ويذكرني به الظلام. يذكرني به الضعف و الصوت المبحوح مهما شدى. ويذكرني به رفيق جديد يحمل اسمه.
اقول ان "ديو" الهلباوي ومسار اجباري و انفصاله بعد الاغنية - او ربما اجتماعه حول هذه الاغنية فقط- يشبه تماما تجمعنا في تلك الليالي.
يناجي الهلباوي محبوبته(اقصد محبوبة الشاعر) بقوة الكلمات و بضعف المحب و بصوت مبحوح لا نعلم هل سره شراهته في التدخين ام حنان التواشيح في تنشئته الدينيه, او ربما تكراره للمناجاة.
ونناجي حقوقًا ونعتكف عليها ليلا بضعف القِلة وبحة صوت ارهق نهارا تكرار المناجاه و الدعاية لقضيتنا.
لم يكن الموت هو من فرق مزيج مرسال لحبيبتي, وكذلك لم يكن هو فقط مفرق صحبة تجمعنا على الاغنية. او تجمعي مع صحبتي عندما تجمعت جوارحي وقتها حول تفاصيل الاغنية.
صديق خان. حرفيًا بكل المعاني.
صديق مات. .......………………
صديق تغرب. و اُعيد كرها.
صديق تائه. لا ادري يخجلني صموده ام يخجلني عجزي عن لفته نحو تيهه.
و انا. بعد اربعة سنوات في ظلام استمع لنفس الاغنية مصادفة صحبة من له -مصادفة- نفس اسم احدهم.
"ان الموت يعلمنا الاعتناء بالأحياء" ولكن في قصتي هذه, الكل موتى فلا حي يعتني ولا حي يُعتنى به. حتى الاغنية, باتت بالنسبة لي تعدٍ سافر على مناجاة الشاعر لمحبوبته -حتى و ان كانت متخيلة- و مصادرة على حقه في عدم البوح ارغم على القبول بها لأجل المال او ربما الشهرة او ربما -وهذه وارد ومقبول- لتغير معتقده في البوح!.
عندما ادركت توحد الاغنية واتحادها بذكريات وتفاصيل اعتصامنا في الجامعة بكل ما فيها من تفاصيل وملامح, قررت عدم الاستماع للأغنية سوى كل فترة من السنوات حتى استعيد هذه الذكريات وتلك المشاعر و الافكار. وقد كان. وها أنذا اكتب عنها الان مستمعا للأغنية.
ولأن الموت يعلمنا الاعتناء بالأحياء, فقد جمعتني الصدفة بالأغنية وميلاد صداقة جديدة في ٢٠١٣.
ولأن زوجة عمي علمتني كيف توهب الحياة من الموت(اذ اصرت على اكمال الحمل والولادة رغم خطورتهما على حياتها, وقد كان.) فأقول ان ثمة بندق جديد في الحياة يرد الى الحياة ضحكة صديق قديم و مظلوميته و مشكلاته. وموته منسيًا.
يعيد بندق الجديد ايضًا الحياة للاغنية ولذكريات سلالم قبة الجامعة التي كانت اسِرتنا ومنازلنا وصحبتها اًسرتنا لمدة شهرين و اكثر. يعيد طرح الاسئلة من جديد : لماذا؟ من ؟ اين؟ المسئول؟
يعيد طرح اسئلة الجدوى , يعيد نشوة الحماس. يعيد بث قوة من ضعف القِلة. يعيد الحديث اعتصام بدأ بشخصين ليستمر اشهر وتهب وفاته الحياة لحركة تحمل الشعلة اشهرا اخرى حتى تصل -اسفًا - لنفس الاسئلة : لماذا؟ من ؟ اين ؟ المسئول؟
ربما الاسئلة الميتة كذلك تبث من روحها في اسئلة جديدة. فالأسئلة تولد و تكبر وتنضج وتصقل وتندمج وتتوالد وتكهل وتموت, ومن موتها توهب الحياة لأسئلة اخرى. ويشهد عقلي على ذلك.
مرسال لحبايبي :
- الى الخائن, شطب الفراعنة اسم اخناتون و كتبوا مكانه الخائن, تماما كما فعلت الآن, مع انك لست منه في اي شئ , لست بمؤمن مثله. مثلا.
الى زكري : الابوة ليست سوى فطرة.
الى هرم : لك عودة.
الى بندق : لك كل الحياة.
الى مُندي : نِبراسا.
الى حاتم : رجل والرجال كما ترى.
الى اسامة: قاد يقود فهو قائد.
الى خلود و آية : الى آية وخلود :)
الى الثورة : صنعتيني
الى الاعتصام : شكلتني
الى تحرير : حركة ما وجب يوما ان تسكن.
الى "مرسال لحبيبتي" : لنا لقاء يتجدد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق