٢٢/٤/٢٠١٥
في مجتمع يمثل المحجبات ٨٥٪ من نساؤه , تسيطر على اعلامه و مثقفيه و منتجاته و اعلاناته و سياساته و مناصبه العليا و منظومته التعليمية اشخاص ذوو نظرة لا تمت للحجاب بصلة , بل و في احيان كثيرة تعارضه. ١
-
في العام ٢٠٠٧ , حصلت مذيعة سابقة في التليفزيون المصري على حكم بإعادتها للعمل بعد فصلها من التليفزيون في عام ٢٠٠٤ بسبب ارتداءها الحجاب.
-
لم ينفذ الحكم , ولكن على غرار الكثير من احكام الحقوق الشخصية , كدخول المنتقبات الحرم الجامعي مثلا , تم تنفيذه , و لم تظهر مذيعة محجبة في نشرة اخبار التليفزيون المصري الا بعد هوجة يناير ٢٠١١
-
" انا لبست الحجاب من نفسي و انا ف خمسة ابتدائي , و على الرغم من كده لحد دلوقت ماحدش من اهلي عرفني يعني ايه حجاب او ليه لابساه , فبقيت متعودة اغطي شعري بس بلبس اللي انا عاوزاه سواء ضيق او شفاف او قصير , مش انتوا عاوزين اغطي شعري؟.اديني بغطيه اهو " ٢
-
ان المتطلع لإعلانات الطريق الدائري و وسائل الترفيه على الشاشات يمكنه ان يجزم ان لا محجبة تسير اسفلها او تشاهدها.
-
يتعجب البِشري " في بداية القرن العشرين كان المجتمع في اشد الحاجة لعلوم الغرب الادارية و التطبيقية , و كمان علوم ادارة مؤسسات الحكومة و المجتمع المدني , و على الرغم من كده اندفع المثقفين ينقلوا الصراعات الفكرية و الجدل الغربي , و ده لاقى هوى عند المحتل " ٣
-
لما تكون كل ال inputs مش محجبة , ف ال outputs معذورة انها تكون ابعد ما تكون عن الحجاب.
لما يكون اختصار الاجمل و الافضل و الاشهر و الاغنى و الاكثر سلطه و الاكثر استمتاع مختذل في صورة البنت اللي مش محجبه - او اللي مش لابسه حاجه اصلا- و شعرها طاير و الناس بتتفرج عليها " بإعجاب" ( مع انه مش اعجاب خالص ) .
في حين ان الناحية التانيه , البنت المقهورة ف كل اختياراتها - حتى لو مش محجبة بالمناسبة يعني- و اللي بالنسبة لها "سد الحنك" في افواه اهلها هو حتة قماشة على شعرها , ملهاش اي تلاتين معنى بالنسبة لهم غير انهم"حافظينها كده " و ورثوا البنت ذلك اللامعنى , البنت اللي ورثت اللامعنى معذوزة لما تكفر بيه.
-
قبل اربعة سنوات اخبرت اخي بنية احدى صديقاتي دخول الوسط الفني :
- هي محجبة؟
- اه
- قولها تقلع الحجاب دلوقت عشان شكلها هيبقى وحش لما تقلعه بعدين
- بس هي مش هتدخل وسط التمثيل وكده
- هتقلع الحجاب
- ما اعتقدش خالص , هي مقتنعه بيه جدا يابني .
- هنشوف
- هنشوف
-
لم يفكر قاسم أمين - احد اصنام الحكومة التي ورثتها عن حكومات ما قبل الجلاء - لم يفكر و ندماؤه في حل لقهر المرأة في المجتمع يجعل المجتمع متسق مع هوية او شكل معين و محدد له ومنسق , بل اندفع و من يليه في اسلوب الصدمة الذي يعول -أسفًا- الكثيرين عليه , والحق ان اسلوب الصدمة يعد المعول الاساسي للتشوه وكذلك لا يولد سوى التحول من اقصى اليمين الى اقصى اليسار دون اي سيطرة من الشخص المتحرك نفسه , ودون ادراك اين كان و اين اصبح , يحركه كل سوء مر به و يدفعه امل يأمله.
وهي صدمة تعيد الى ذهني -كمتخصص- الصدمة المعمارية الحضارية التي احدثها الخديوي اسماعيل بمشروع باريس الشرق الذي نتج عنه احلال احياء اوروبية كاملة و اقحامها قي بيئة معمارية لا تنتمي لها اطلاقا , حتى صارت مسخ وسط محيطها - و ان بدت جميلة كوحدة مستقلة - بدلا من ان تحمل اوجه الاختلاف و تميزه.
-
يرى الرافعي ان اوروبا لن ترضى عن تركيا ابدًا , لأن اتاتورك لم يُطبّع شبر من اوروبا بتركيا , لكنه قام بتطبيع كل شبر في تركيا بالطابع الاوروبي و دون عناء من الاوروبيين ٤
-
اذا ففي المحاولة الأولى لعلاج مشكلة المرأة في المجتمع - دعونا نسميها " مشكلة المرأة في القرن ١٩" لسبب ما سيتضح فيما بعد - ففي هذه المحاولة الأولى نتج عنها انشقاق واضح في المجتمع و تشويه لكلا الجانبين : جانب يرى الججاب تخلف و خلعه تقدم , وجانب يرى الحجاب تعفف و خلعه كفر وخلاعة.
و اذ نورد تجربة قاسم امين فإننا لسنا في معرض تقييمها بقدر ما نعتبرها بداية الصراع و نؤرخ له بها , اذ يعتبرها حزب الحجاب بداية المشكلة و يعتبرها حزب اللاحجاب بداية الحل.
ويظل الصراع بينهما منذ " طلعة قاسم امين" الأولى وحتى ١٩٦٧ , اذ نجدهم معسكرين يحشذان الهمم و الأسلحة ضد بعضهما , يقدم معسكر اللا حجاب المتعه و الرقص و العلم و نظرات الرجال والجمال و اوروبا , و يقدم معسكر الحجاب حلول عقيمة مغرقة في العقم , و بين ذلك تقف " مشكلة المرأة في القرن ١٩" دون ان تجد لها حل يرى جوهرها لا مظهرها , تقف امام عجز اي تيار غيرهما لا يختصر التعليم او الكتابة او الشهره او الرجل الحسن المظهر و الثقافة و تقديره ال " trés gentel " للمرأة في كونها محجبة او لا , ونخص بالذكر نظرة الرجال اذ اننا نرى ان الرجال فتنة كما النساء.
تقف دون حل مشكلتها مع تقدم العالم , و عدم مساهمتها فيه. ولكنها تقدمت في مشكلة جديدة كونها في صراع مشوه ومستورد لا يمثل هوية جديدة ثابتة او تدعيم لهويتها الأصلية , فتحولت من الوقوف محلك سر الى الوقوف بين البين , لا تصدر للعالم اي شيء و تكتفي فقط بإتباع معسكران يستوردان مشكلات و حلول.
---
- احكي لي عن ستي فاطمة
- كانت بتمشي جنبي ولا كأني ماشي مع عمود نور , ما كانش عندنا التلخلف بتاعكم دلوقت
* انا وجدي الله يرحمه *
-
- هو ليه ماما ماكانتش محجبة في صور الشبكه او الخطوبة؟
- ما كانش عندنا التخلف بتاعكم دلوقت
* انا و بابا *
-
ومن ذلك نرى ان جدي من حزب معارضي صدمة قاسم امين المبالغين في تحجيب المرأة ابعادا لها عن " الكفار الذين اضاعوا دينهم" , في حين ان ابي من حزب التشويه الذي نتج عنها , اذ يرى الحجاب تخلف في حين ان بناته محجبات , بل و انه حجّب زوجته بعد الزواج كما كان شائع وقتئذ في المجتمع المشوه.
-
يرى تمّام ان المجتمع بعد هزيمة ٦٧ كان على وشك الانفجار , لذلك رأى عبد الناصر ان ايجاد متنفس لهذا الكبت و الحصار يكون قريب من نفس البيئه سيساعد كثيرا على تحمل الأمر , على تحمل باقي الكبت كله. فبدأت رحلات المصريين الى الخليج. ٥
-
" في عام ١٩٦٩ عندما دخلت كلية طب القصر العيني لم تكن هناك سوى طالبة واحدة محجبة "٦
-
ومع هذه المعطيات , يندفع المصريون نحو الخليج و امواله , فيستوطنون هناك و يتطبعون بطبعه , اكله و شربه و الوانه , ولحاه و حجابه وجلبابه , ثم ملابسه الضيقة ثم تلك الخصلة المتدلاه من الحجاب.
لم يكن استقرار المصريين في الخليج هو المشكلة .
بل المشكلة انهم عادوا.
عادت الابدان المصرية في جلاليب و عبايات خليجية وخصلات متدلية من اسفل الحجاب , وعلاقات بين الرجل المرأة يسودها النفور و الامتهان البيّن و اموال "التحويشة" ولهجة القرن الثاني الهجري , لتجدد الصراع بين الحزبين , و تبدأ في مقارعة الابدان المصرية في البذلات و الجيبات الاوربية و الشعر المنسدل او الطاير-تماما كما يظهر ف الاعلان- وعلاقات بين الرجل و المرأة يسودها الامتهان المستتر و تسليع المرأة واموال "الاقتصاد الحر" و اللهجات الأوروبية.
لتتعمق الفجوة مجددا بين المعسكرين و تطرق هوية المجتمع ككل , و هذه المره كل معسكر ذو اسلحة اقوى من قبل , ولكن هذه المرة ايضا يصر معسكر الحجاب على انه لن يخرج من القرن الثاني , و يقف خلف معسكر اللاحجاب الآمال العريضة و المباني الضخمة و الاختراعات العجيبة.
في النهاية اي منهم لم يضع تعريف لمصطلحات مثل التدين او التقدم او التخلف , يهيمون في جعجعة بمصطلحات كبيرة أخادة.
وفي النهاية تضيع بينهم امرأة القرن ١٩ مع اتمام ضياع هوبتها القديمة و استمرارها بين بين.
ندخل الآن في العام ال٩٠ لمحاولة قاسم امين الصادمة المشوَهة المشوِهة , ولا تزال امرأة مصر في القرن ١٩ نقف بنفس مشكلاتها , اللهم الا كثير من الجعجعة حول ملابسها.
-
تحدث هوجة يناير لتعصف بكل ما تقدمها من قيود , فلا صديقتي - وقد خلعت الحجاب كما توقع اخي - ابقت على قيد اهلها لها داخل الحجاب دون افهامها اي معنى له خاصة مع وجودها في وسط يسيطر عليه غير المحجبات - وهي في ذلك لا تدرك انها خرجت من قيد اهلها الى قيد رفاقها و وسطها.-اذ انها تحولت من اقصى اليمين الى اقصى اليسار دون اي سيطرة منها , ودون ادراك اين كانت و اين اصبحت , يحركها كل سوء رأته من اهلها و يدفعها كل أمل تأمله في وسطها.
ولا انا ابقيت على قيد اهلي ان الدين في الجامع و الا اصاحب المتدينيين وألا اذهب للمسجد الا في الجمعة.
-
وتستقر الهوجة في سبات , وبعد ان بدأت مراجعات حقيقة للأسئله : من؟ اين ؟ متى؟ كيف؟ , نجدها تخبو تماما سريعا.
ليعود كل معسكر لما تعود عليه , فنعود للمائة عام مجددا , ولكن هذه المرة حلول كل منهما تتفنن في العقم , فحزب الحجاب يخرج زمنيا عن القرن الثاني و ينحسر جغرافيا في اماكن اخرى غير مصر , ماليزيا , كوريا , تركيا , اندونيسا , اليابان..الخ , و حزب اللاحجاب يخرج جغرافيا من اوروبا , الى انحسار رمني في اوروبا في نهايات العصور الوسطى , فنجده يبذل قصارى جهده حتى يفهم الجميع ان ما نحن فيه هو نفس الذي مروا به في تلك الفتره و ان لا مناص من اتباع نموذجهم وحلولهم حتى نصل الى ما وصلوا له.
------
١٠٠ عام , و الجميع مجمع فقط على ان هناك مشكلة , ولكن الفريقين لا يتوانى كل منهم عن تقديم حلول ابعد ما تكون عن المجتمع و خصوصيته و لحظته التاريخية و فرذية الانسان فيه.
١٠٠ عام و اكثر , ولا تزال " مشكلات المرأة في القرن ١٩" كما هي.
-
يرى مالك اننا اذا استمرينا على النقل من اوروبا بهذا المعدل , سوف نصل بعد ٢٠٠ عام للمشكلات التي لديهم الآن. ٧
ومن ذلك نرى ان محاولات التشبيه بنهايات العصور الوسطى سوف تدفعتا بعد ٥٠٠ عام لما وصلت اليه اوروبا الآن من مشكلات , و ان محاولات التشبه بالقرن الثاني ستدفعنا بعد ١٠٠٠ عام لما نحن فيه الان من مسخ.
و الحجاب فيما سبق ان هو الا رمز مختصر لمشكلات الهوية التي واجهت المصريين منذ تراخي الرابطة الاسلامية الشرقية و احتكاكهم مع المنتصر الاوروبي.
الحجاب فريضة , و العلم ايضًا فريضة.
-
ﻟﺘﺘﺒﻌﻦ ﺳﻨﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﺷﺒﺮﺍ ﺑﺸﺒﺮ، ﻭﺫﺭﺍﻋﺎ ﺑﺬﺭﺍﻉ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺳﻠﻜﻮﺍ ﺟﺤﺮ ﺿﺐ ﻟﺴﻠﻜﺘﻤﻮﻩ.٨
-
يسرني اني نتاج تجربة جدي و ابي , التي دفعتني للتفكير خلافهم , لأقف الآن امام الجميع , و بمنتهى البساطة غير مقتنع بالرأيين. و اراهم على خطأ.
غير معترف بأن الدنيا ابيض او اسود , و انا الدنيا ربيع و مليان الوان.
اقف في صف امرأة القرن ١٩ و ابحث معها عن حلول لمشكلاتها يدفعها لمقارعة اي امرأة في اي زمن او مكان ,مفتخرة ومعتزة بما لديها و ما عالجته وتعالجه وما ستقدمه للعالم بعد التخلص من سطوة مسعكري البلهاء.
فلا حجابها سيمنعها عن التقدم ولا سفوزها سيدفعها للأمام , فالأمم تتقدم بالخِضال لا بالخصلات
-
في فترة التجاذبات بين المعسكرين في ٢٠١٢ و حديث عن ان كل معسكر " هيقلع امك الحجاب " و الاخر " هيلبس امك الحجاب " قال احد الحكماء : ما تعرفوش حد مالوش دعوة بأمي؟
-
طبعا ماحدش هيصدق ان ده مكتوب للرجال في عادات كتير بقالنا ١٠٠ سنه بنتخانق عليها لا تسهم في تقدم حد , مش شبهنا ومش زماننا . وكمان ده موجه لأكتر من مشاكل مش عارفين نلاقي لها حل ومصممين نستورد او نستعين بآلة زمن.
-
فيه مبحث كده عن الايمان بالإتباع , محتاجين حد يكلمنا عنه ويبسطه لنا وكده , ممكن؟
----
١- كتبت هذه الفقره يوم ما سمعت عن حكم المحكمه المذكور
٢- حوار مع صديقة
٣- ندوة الاحتفال بمرور ١٥ سنه على تأسيس مركز الحضارة
٤- وحي القلم , الرافعي
٥- الاخوان المسلمون سنوات ما قبل الثورة , حسام تمام (مقالات كتبت قبل ٢٠١١ ونشرت في ٢٠١٢)
٦- مذكرات عبد المنعم ابو الفتوح
٧- المسلم في الاقتصاد , مالك بن نبي
٨- حديث شريف
استخدمت مصطلح " نهايات العصور الوسطى لأن لدي معايير اخرى ل"الحداثة " و " النهضة " و كذلك " التقدم " , سنفرد لها سطور فيما بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق