الصدق, دفء ان يصدقك طرف الحديث الآخر. ان يَصدقك و ان يُصدقك. تلك الفطرة التي تنتكس بداخلي هذه الأيام وتتعرض لكفر بين من الكثير.
قلت يومًا أن "لا يهم ان تصدق حكايتي ولكن يهمني انها حدثت بالفعل" ولكن فتنة ان يكذبك الجميع, فتنة ان تفتقد ذلك الدفء في اعينهم. تلك فتنة تدفعني هذه الايام دفعا نحو الكذب, علني اجد ذلك الدفء ملبيا نداء الفطرة, او ربما مشبعًا لغريزة.. ايا يكن, فذلك الدفء يجب ان يُبلغ ايًا كانت دوافع السعي نحوه حيوانية كانت او انسانية.
ولكن, اعتقد ان الانسحاب لمساحة كهذه؛ مساحة حرة لا انتظر فيها تقييم حكايتي من حيث صدقها او عدمه, اعتقد انها حل مؤقت لتجنب الكذب. ولنؤجل بلوغ ذلك الدفء حتى يحين اوان المؤمنين مهاجرين كانوا او عائدين.
---
اشار رفيقي ذو الملامح القوقازية الصفراء نحو الطريق وقال بما لا يبدو انه عمق او حذق او اصلا ادراك لما يقول : " امشي الطريق واتبع العلامات و ما تشغلش دماغك, اوعى تشغل دماغك عشان ما تتشغلش عن العلامات و تتوه في الصحرا, الصحرا خداعة و الطرق التانية هتفضل تزن ف دماغك, سيبك من دماغك و امشي ورا العلامات عشان توصل -بالسلامة- كل علامة هتشوف عندها العلامة اللي بعدها , لازم تسيبك من الطريق السريع عشان تعرف توصل لنهاية الطريق ده".
-
ف بداية الطريق كان غبار الطرق الاسرع و الاسهل يلوح في الافق, يغريني و يدفعني للتوقف بجوار العلامة انظر نحو الغبار بحذر وحزن و عجز ولهفة, احذر من ان انساق نحوه ولا ارى منه غير نهايته فقط, و احزن لعدم كوني شخصين احدنا يسلك هذا و الاخر يسلك ذاك, احزن لضيق الوقت ولتذكري مجددا عدم قدرتي على الانتقال اللحظي, و اتأمل عجزي و قيدي بطريقي هذا, هل هي العلامات التي تقيدني؟ هل نصيحة صديقي؟ هل كرهي للعقل ؟ هل استمتاعي بالمشي على خط من العلامات تُظهر احداها تاليتها؟ هل لأن المشي على هذا الخط اشبه بنشوة المشي على السلك في سيرك؟ هل صخب السيرك الخيالي و أُنسِه في واقع الصحراء؟ هل تقيدني "بالسلامة"؟ هل قيدتني سلامتي و ادراكي للحظة اني خرجت انشد كذا و ان اهم شرط في كذا ان اكون حي وموجود, ان اكون سليمًا! هل قيدتني وجهتي و ما انتظره و احسبه ينتظرني؟
اعترف : قيدني شعور بأن ثمة من ينتظرني على الطرف الآخر من الطريق, ثمة من يؤمن بي. نجحت في طرد كابوس الرفض و الكفر بي , نجحت في تجميد اليقين بأنه سيحدث. و حملته فوق صدري و خارج قلبي -هنا تمامًا على هذه العضلة التي ظهرت مؤخرا في اخر قفصي الصدري- و سرت بيقيني ان ثمة من ينتظر, من يؤمن.
كل علامة تحمل قصة مَن مروا مِن هنا, ترى الى اين كانت وجهتهم؟ الى من؟ هل وجدوا من ينتظر, من يؤمن؟
-
ليس صوفيًا كما يبدو, فما قولت وما سأقول قد اتاني به الشيطان موسوسًا على مدار صلاواتي اليوم. ولا يوجد صوفي يصادق الشيطان. فقد قالوا صافى الله فهو صوفي, ولم يقولوا صافى الشيطان فهو صوفي. هل يوحي الشيطان بالتصوف؟ هل يوسوس به؟ لا اعتقد ذلك -على الاقل حتى الآن-.
-
او انه ليس صوفيًا كما يبدو لأنه صدر عن رفيق -و ان كانت له ملامح قوم بذروا الصوفية في ارض الله بذرًا- لكنه يظل جاهل بأمر كهذا, بل قد يحسب الصوفية فقسًا اذا ما بلغه امرها - ان كان لم يبلغه- او هكذا يبدو رفيقي : ليس صوفيًا.
-
لمنزلي طريقان, احدهما صاخب و مختصر , والآخر هادي ومطول. اعود الى بيتي دومًا- على ما اجد فيه من ضيق نفسي وبدني ممازج للراحتين البدنية و النفسية - مفضلا دومًا الطريق الهادي مهما طال. وهذا الامر ايضًا ليس صوفيًا كما يبدو.
-
"كنت ضائعا في صحراء مقفرة طرقها خداعة ومفزعة حتى رأيت وجهها فلزمته فتحادثنا فقادتني وقادني وجهها الى وجهتي"
تبدو جملة من تلك السياقات العاطفية المليئة بالمجازات و التعبيرات البرْاقة التي لا معنى لها او على الاقل لا صلة لها بالواقع ولا يمكن تصديقها , لا يمكن الا ان تكون مسبب نشوة لإحداهن.لكنها ليست كما تبدو.
يمكنها ان تكون كذلك " كنت ضائعا في صحراء مقفرة طرقها خداعة ومفزعة حتى رأيت وجهه فلزمته فتحادثنا فقادني وقادني وجهه الى وجهتي" فتكون جملة من ترجمة لأحد اقطاب الصوفية. لكنها ليست صوفية كما تبدو.
اليوم, اقول اليوم و اقصد ذلك اليوم الذي كتبت فيه هذه السطور , كنت ضائعا في صحراء مقفرة طرقها خداعة ومفزعة حتى رأيت وجهها فلزمته فتحادثنا فقادتني وقادني وجهها الى وجهتي. بلا أي معنى بعيد لما قلت. بل اقول ان هذه الجملة ليس بها اي مجاز ولا اي استعارة او كناية. اقسم على ذلك: اقسم بالله اني صباح اليوم كنت ضائعا في صحراء مقفرة طرقها خداعة ومفزعة حتى رأيت وجهها فلزمته فتحادثنا فقادتني وقادني وجهها الى وجهتي.
-
في معرض حديثنا هذا الصباح- و اعلم انتا لم تكن موجودة فعلا بل ربما لم تكترث بي اليوم وربما لم تذكرني اصلا- خالفت في حدثينا تعليمات رفيقي, ضربت بها عرض الحائط, ولكن ليس لأني استمعت لعقلي او أُسِرت بغبار طريق اسرع, بل لأني كنت تائها عن الوصول الى بداية الطريق اصلا. فكنت اجوب الصحراء بحثًا عن العلامة الاولى.ولم تهدني اليها ذاكرتي او ملاحظاتي - التي قادتني بدقة نحو طريق منطقة بعيده عن العلامة تمامًا-. ريثما بدأ الحديث و اندمجت فيه كالمعتاد : استمع لها بصدق وبصمت , ارد ردود سريعة مرتبكة , اقول ما اريد ان اقول ومالا اريد. اندمجت اندمجت ثم اندمجت لأنتبه فأجدني قد هِمت على وجهي ما يقارب الساعة و انتهيت بإنقطاع حدثيها فجأة لإدراك اني اقف امام العلامة التي يبدأ عندها الطريق.
-
اعتقد ان ما بدأته في اول سطر, بل ما سطرته عنونا للكلام قبل كتابته كان تمهيدا لما قلته الآن. فالعنوان ايضا ليس صوفيًا كما يبدو.
-
في بداية الطريق وانا اندفع في اتباع العلامات منتشيًا بصخب السيرك -او بهدوء الصحراء- ولم اكن قد سمحت للشك بالوصول, أتتني معاتبة ان اتراقص نشوهً في طريق لا يؤدي الى مؤمن- ولا أُخفي رغبتي في ان تكون تقصد ايمانها بي , لكنها لم تقل ولم تُشِر فلم أُحمّلها عبء التأويل وعدم صدقه -.
انتبهت, توقفت , راجعت الامر. و النتيجة : اخبروني فعلا ان لا احد ينتظرني في اخر الطريق.
-
اقع في فتنة تسطير ما حدث وكتابته, او تخزينه و حفظه و التعامل معه على انه سر من اسرار العلاقة بيننا. لكن هذا الكتمان سيضبغه بأسلوب الصوفية في كتم الاسرار الربانية امعانا في بركتها. لكني سأسطر ما حدث و اكتبه. فهو ليس صوفيًا كما يبدو.
-
لا اعتذر عن عدم التشويق فهذا ما كان بالفعل صدقًا امام الله فهو يعلم انه حدث ويعلم اني لم أخط قدري بيدي. و ان تكن يدي لم تخط قدري اليوم, فقد حكته. انما الحكي خطٌ لأقدارٍ. وهذا ايضًا ليس صوفيًا كما يبدو.
--
-
* ملحوظة : لا ادري ان كان صديقي يقصد " ما تشغّلش دماغك " ام "ما تِشغِلش دماغك" فهو ان بدى في الأولى لا مباليا فإنه يبدو في الثانية يقول من قول الصوفية " ملتفت لا يصل". وربما ايضًا كان بعبارته " لازم تسيبك من الطريق السريع عشان تعرف توصل لنهاية الطريق ده" يفسر مبدأ الصوفية أن "لا تجلي بلا تخلي". ولكنه رغم ذلك يظل ليس صوفيًا كما يبدو.
-
٢١ يونيو ٢٠١٥
لا يَهم التصديق, فقد حدث بالفعل.
-
تعديل : لا انكر رغبتي في ان ارى البريق, لكني لن اهتم. على الاقل هده المرة. و ان حدث و تراجعت ووضعت ما سبق على طريق الحكم على صدقه, فذلك ليس الا من شعور -ربما حينها تكون ثقة- ان البريق نفسه هو ما ينتظرني في اخر هذا الطريق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق