ان المساواة و الاخاء بين الناس ممكن, فقط, اذا كان الانسان مخلوقًا لله. فالمساواة الانسانية خصوصية اخلاقية وليست حقيقة طبيعية او مادية او عقلية. ان وجودها قائم بإعتبارها صفة اخلاقية للإنسان, كسمو انساني او كقيمة مساوية للشخصية الانسانية.
وفي مقابل ذلك, اذا نظرنا الى الناس من الناحية المادية او الفكرية, او ككائنات اجتماعية -١- او اعضاء في مجموعة او طبقة او تجمع سياسي او اممي, فالناس في كل هذا دائمًا غير متساوين. ذلك, لأننا اذا تجاهلنا القيمة الروحية -وهي حقيقة ذات صبغة دينية- يتلاشى الاساس الحقيقي الوحيد للمساواة الانسانية. وتبدو المساواة, حينئذ, مجرد عبارة بدون اساس ولا مضمون, وسرعان ما تتراجع وهي تواجه الوقائع الدالة على اللامساواة بين الناس, او الرغبة الطبيعية للانسان ان يسيطر و ان يطيع, ومن ثم لا يكون مساويًا للآخر. فطالما حذفنا المدخل الديني من حسابنا, سرعان ما يمتلئ المكان بأشكال من اللامساواة: عرقيًا وقوميًا و اجتماعيا وسياسيًا
ان السمو الانساني لم يكن من المستطاع اكتشافه بواسطة علم الاحياء او علم النفس, ولا بأي علم اخر, فالسمو الانساني مسألة روحية. فمن السهل على العلم, بعد "الملاحظات الموضوعية" أن يقرر أن اللامساواة بين الناس -ومن ثم العنصرية العلمية- ممكنة جدا بل منطقية -٢-. ان اخلاقيات سقراط وفيثاغورس و سينيكا لا تُنكر قيمتها العظيمة ونحن ننظر في اخلاقيات الاديان السماوية الثلاثة "اليهودية و المسيحية و الاسلام", ولكن يبقى هناك فرق واضح, هو ان اخلاقيات الاديان السماوية وحدها تسلم بجلاء لا لبس فيه بمساواة جميع البشر بإعتبارهم مخلوقات الله. حتى افلاطون سلم بعدم المساواة بين الناس كضرورة -٣-. و على نقيض ذلك, نجد ان حجر الزاوية في الاديان المنزلة هو " الاصل المشترك" لجميع البشر ومن ثم المساواة المطلقة بينهم -٤-. وكان لهذه الفكرة تأثير جوهري على جميع التطورات الروحية و الاخلاقية و الاجتماعية للجنس البشري. وفوق هذا يبدو ان تاريخ علم الاخلاق يكشف عن العلاقة بين فكرة المساواة بين الناس وفكرة الخلود - وهو موضوع يحتاج لدراسة اعمق-. ان النظم الدينية و الاخلاقية تاتي لا تعترف, او التي لديها فكرة مشوشة عن الخلود, لا تعترف بالتالي بهذه المساواة. فإذا لم يكن الله موجودا, فالناس اذا بجلاء وبلا امل غير متساوين.
يزعم نيتشة ان الاديان ابتدعها الضعفاء ليخدعوا بها الاقوياء. اما ماركس فيقول بالعكس.
فإذا سلمنا ان الاديان مفتعلة يبدو تفسير نيتشة اكثر اقناعا لأنه تأسيسا على الدين فقط يستطيع الضعفاء المطالبة بالمساواة. اما بالعلم فقد تأكد عدم المساواة بين الناس.
لماذا نصادف كثرة من المعوقين حول المساجد والكنائس و المعابد التي نذهب اليها؟ لأن بيوت الله وحدها تفتح ابوابها لأولئك الذين لديهم ما يعرضونه او يبرهنون عليه, اولئك الفقراء في المال او الصحة, اولئك الذين استبعدوا من موائد الاحتفالات في هذا العالم, حيث يدعى الشخص لإسمه او حسبه او نسبه او موهبته او علمه. ان المريض وغير المتعلم يغلق امامه باب المصنع ايضا بينما يدخل المتعلم صحيح البدن. اما في بيت الله فإن الفقير و الأعمى يمكن ات يقفا جنبا الى جنب مع ملك او نبيل وقب يكونا عند الله افضل منهما -٥- ان اهم معنى حضاري و انساني لأماكن العبادة يكمن في هذا البرهان المتكرر للمساواة.
١- نود ان نضيف " او كائنات طبيعية" حيث ان ثمة فروق في التكوينات الطبيعية للبشر, ومن ثم فهم غير متساوين فيها. الناقل
٢- لا تستطيع نظرية التطور التوافق مع فكرة المساواة ولا مع فكرة الحقوق الطبيعية. وكانت المساواة في الثورة الفرنسية معتبرة دينا في اصلها. انظر الفصل الخامس من القسم الثاني من هذا الكتاب. المؤلف.
٣- يشير الكاتب الى كتاب الجمهورية الذي اقر فيه افلاطون العبودية وعدم المساواة بين طبقات الشعب الناقل.
٤- نلاحظ هنا ان المادية تقول ايضا بالأصل المشترك وعلى الرغم من ذلك فإنها تقول باللامساواة. الناقل.
٥- سورة عبس الآيات من ١- ١٠ . المؤلف.
ﻋَﺒَﺲَ ﻭَﺗَﻮَﻟَّﻰ.1 ﺃَﻥ ﺟَﺎﺀَﻩُ ﺍﻷَﻋْﻤَﻰ2ﻭَﻣَﺎ ﻳُﺪْﺭِﻳﻚَ ﻟَﻌَﻠَّﻪُ ﻳَﺰَّﻛَّﻰ 3 ﺃَﻭْ ﻳَﺬَّﻛَّﺮُ ﻓَﺘَﻨﻔَﻌَﻪُ ﺍﻟﺬِّﻛْﺮَﻯ.4 ﺃَﻣَّﺎ ﻣَﻦِ ﺍﺳْﺘَﻐْﻨَﻰ.5 ﻓَﺄَﻧﺖَ ﻟَﻪُ ﺗَﺼَﺪَّﻯ.6 ﻭَﻣَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻚَ ﺃَﻻَّ ﻳَﺰَّﻛَّﻰ.7 ﻭَﺃَﻣَّﺎ ﻣَﻦ ﺟَﺎﺀَﻙَ ﻳَﺴْﻌَﻰ.8 ﻭَﻫُﻮَ ﻳَﺨْﺸَﻰ.9 ﻓَﺄَﻧﺖَ ﻋَﻨْﻪُ ﺗَﻠَﻬَّﻰ 10
حديث عن انس ابن مالك : " ﺭﺏ ﺃﺷﻌﺚ ﺃﻏﺒﺮ ﺫﻱ ﻃﻤﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﺆﺑﻪ ﻟﻪ ﻟﻮ ﺃﻗﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻷﺑﺮﻩ "
وبرواية ابو هريرة "اشعث اغبر مدفوع بالأبواب ". الناقل.
----
من كتاب الاسلام بين الشرق و الغرب, علي عزت بيجوفيتش ص ١٠٠ و ١٠١ , والعنوان من وضع الناقل