الأحد، 28 يونيو 2015

المساواة بين اخلاقية الدين و طبيعية المادية

ان المساواة و الاخاء بين الناس ممكن, فقط, اذا كان الانسان مخلوقًا لله. فالمساواة الانسانية خصوصية اخلاقية وليست حقيقة طبيعية او مادية او عقلية. ان وجودها قائم بإعتبارها صفة اخلاقية للإنسان, كسمو انساني او كقيمة مساوية للشخصية الانسانية.
وفي مقابل ذلك, اذا نظرنا الى الناس من الناحية المادية او الفكرية, او ككائنات اجتماعية -١- او اعضاء في مجموعة او طبقة او تجمع سياسي او اممي, فالناس في كل هذا دائمًا غير متساوين. ذلك, لأننا اذا تجاهلنا القيمة الروحية -وهي حقيقة ذات صبغة دينية- يتلاشى الاساس الحقيقي الوحيد للمساواة الانسانية. وتبدو المساواة, حينئذ, مجرد عبارة بدون اساس ولا مضمون, وسرعان ما تتراجع وهي تواجه الوقائع الدالة على اللامساواة بين الناس, او الرغبة الطبيعية للانسان ان يسيطر و ان يطيع, ومن ثم لا يكون مساويًا للآخر. فطالما حذفنا المدخل الديني من حسابنا, سرعان ما يمتلئ المكان بأشكال من اللامساواة: عرقيًا وقوميًا و اجتماعيا وسياسيًا

ان السمو الانساني لم يكن من المستطاع اكتشافه بواسطة علم الاحياء او علم النفس, ولا بأي علم اخر, فالسمو الانساني مسألة روحية. فمن السهل على العلم, بعد "الملاحظات الموضوعية" أن يقرر أن اللامساواة بين الناس -ومن ثم العنصرية العلمية- ممكنة جدا بل منطقية -٢-. ان اخلاقيات سقراط وفيثاغورس و سينيكا لا تُنكر قيمتها العظيمة ونحن ننظر في اخلاقيات الاديان السماوية الثلاثة "اليهودية و المسيحية و الاسلام", ولكن يبقى هناك فرق واضح, هو ان اخلاقيات الاديان السماوية وحدها تسلم بجلاء لا لبس فيه بمساواة جميع البشر بإعتبارهم مخلوقات الله. حتى افلاطون سلم بعدم المساواة بين الناس كضرورة -٣-. و على نقيض ذلك, نجد ان حجر الزاوية في الاديان المنزلة هو " الاصل المشترك" لجميع البشر ومن ثم المساواة المطلقة بينهم -٤-. وكان لهذه الفكرة تأثير جوهري على جميع التطورات الروحية و الاخلاقية و الاجتماعية للجنس البشري. وفوق هذا يبدو ان تاريخ علم الاخلاق يكشف عن العلاقة بين فكرة المساواة بين الناس وفكرة الخلود - وهو موضوع يحتاج لدراسة اعمق-. ان النظم الدينية و الاخلاقية تاتي لا تعترف, او التي لديها فكرة مشوشة عن الخلود, لا تعترف بالتالي بهذه المساواة. فإذا لم يكن الله موجودا, فالناس اذا بجلاء وبلا امل غير متساوين.

يزعم نيتشة ان الاديان ابتدعها الضعفاء ليخدعوا بها الاقوياء. اما ماركس فيقول بالعكس.
فإذا سلمنا ان الاديان مفتعلة يبدو تفسير نيتشة اكثر اقناعا لأنه تأسيسا على الدين فقط يستطيع الضعفاء المطالبة بالمساواة. اما بالعلم فقد تأكد عدم المساواة بين الناس.

لماذا نصادف كثرة من المعوقين حول المساجد والكنائس و المعابد التي نذهب اليها؟ لأن بيوت الله وحدها تفتح ابوابها لأولئك الذين لديهم ما يعرضونه او يبرهنون عليه, اولئك الفقراء في المال او الصحة, اولئك الذين استبعدوا من موائد الاحتفالات في هذا العالم, حيث يدعى الشخص لإسمه او حسبه او نسبه او موهبته او علمه. ان المريض وغير المتعلم يغلق امامه باب المصنع ايضا بينما يدخل المتعلم صحيح البدن. اما في بيت الله فإن الفقير و الأعمى يمكن ات يقفا جنبا الى جنب مع ملك او نبيل وقب يكونا عند الله افضل منهما -٥- ان اهم معنى حضاري و انساني لأماكن العبادة يكمن في هذا البرهان المتكرر للمساواة.

١- نود ان نضيف " او كائنات طبيعية" حيث ان ثمة فروق في التكوينات الطبيعية للبشر, ومن ثم فهم غير متساوين فيها. الناقل

٢- لا تستطيع نظرية التطور التوافق مع فكرة المساواة ولا مع فكرة الحقوق الطبيعية. وكانت المساواة في الثورة الفرنسية معتبرة دينا في اصلها. انظر الفصل الخامس من القسم الثاني من هذا الكتاب. المؤلف.

٣- يشير الكاتب الى كتاب الجمهورية الذي اقر فيه افلاطون العبودية وعدم المساواة بين طبقات الشعب الناقل.

٤- نلاحظ  هنا ان المادية تقول ايضا بالأصل المشترك وعلى الرغم من ذلك فإنها تقول باللامساواة. الناقل.

٥- سورة عبس الآيات من ١- ١٠ . المؤلف.
ﻋَﺒَﺲَ ﻭَﺗَﻮَﻟَّﻰ.1 ﺃَﻥ ﺟَﺎﺀَﻩُ ﺍﻷَﻋْﻤَﻰ2ﻭَﻣَﺎ ﻳُﺪْﺭِﻳﻚَ ﻟَﻌَﻠَّﻪُ ﻳَﺰَّﻛَّﻰ 3 ﺃَﻭْ ﻳَﺬَّﻛَّﺮُ ﻓَﺘَﻨﻔَﻌَﻪُ ﺍﻟﺬِّﻛْﺮَﻯ.4 ﺃَﻣَّﺎ ﻣَﻦِ ﺍﺳْﺘَﻐْﻨَﻰ.5 ﻓَﺄَﻧﺖَ ﻟَﻪُ ﺗَﺼَﺪَّﻯ.6 ﻭَﻣَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻚَ ﺃَﻻَّ ﻳَﺰَّﻛَّﻰ.7 ﻭَﺃَﻣَّﺎ ﻣَﻦ ﺟَﺎﺀَﻙَ ﻳَﺴْﻌَﻰ.8 ﻭَﻫُﻮَ ﻳَﺨْﺸَﻰ.9 ﻓَﺄَﻧﺖَ ﻋَﻨْﻪُ ﺗَﻠَﻬَّﻰ 10

حديث عن انس ابن مالك :  " ﺭﺏ ﺃﺷﻌﺚ ﺃﻏﺒﺮ ﺫﻱ ﻃﻤﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﺆﺑﻪ ﻟﻪ ﻟﻮ ﺃﻗﺴﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻷﺑﺮﻩ "
وبرواية ابو هريرة "اشعث اغبر مدفوع بالأبواب ".  الناقل.

----
من كتاب الاسلام بين الشرق و الغرب, علي عزت بيجوفيتش ص ١٠٠ و ١٠١  , والعنوان من وضع الناقل

السبت، 27 يونيو 2015

عن مرسال لحبيبتي

جامعة القاهرة, ليالي مارس-ابريل ٢٠١١. ليل خارجي. ليل قاسي. افتراش ارضيات رخامية عتيقة  اعتراضًا.

ترتبط الأغنية في ذهني بذلك الظلام وذلك الرخام الذي يقض في عظامي ورفاقي. اقول اربعة وكنت خامسهم , اقول خمسة وكنت سادسهم اقول ان الله اعلم بعِدتهم.  او ربما اغفلت دقة العدد لأمحي منهم من اريد.
ترتبط الاغنية كذلك بالاعتراض بالصوت المبحوح الشادي و بالصدر العاري وبنشوة الاصرار.

اعتقد ان مزيج موسيقى مسار اجباري وصوت علي الهلباوي وكلمات شاعر سبقته اغنيته صيتًا, ذلك المزيج المركب المعقد صعب التكرار هو نفسه صعوبة تكرار لقاءنا مجددًا.

٢٠١١ : استمع الى اغنية مرسال لحبيبتي صحبة صديقي بندق.
٢٠١٥ : استمع لنفس الاغنية صحبة رفيق له من بندق اسمه.

توفي بندق بعدها بأربعة اشهر, ولم اكن ادري ان شهرة اسمه وانتشاره بين عديد من الشباب لن يكون وحده ما يذكرني به. ففضلا عن التفنن في الدعاء وفضلا عن لحظات الشجن و البكاء, تذكرني به الاغنية ويذكرني به الظلام. يذكرني به الضعف و الصوت المبحوح مهما شدى. ويذكرني به رفيق جديد يحمل اسمه.

اقول ان "ديو" الهلباوي ومسار اجباري و انفصاله بعد الاغنية - او ربما اجتماعه حول هذه الاغنية فقط- يشبه تماما تجمعنا في تلك الليالي.
يناجي الهلباوي محبوبته(اقصد محبوبة الشاعر) بقوة الكلمات و بضعف المحب و بصوت مبحوح لا نعلم هل سره شراهته في التدخين ام حنان التواشيح في تنشئته الدينيه, او ربما تكراره للمناجاة.
ونناجي حقوقًا ونعتكف عليها ليلا بضعف القِلة وبحة صوت ارهق نهارا تكرار المناجاه و الدعاية لقضيتنا.

لم يكن الموت هو من فرق مزيج مرسال لحبيبتي, وكذلك لم يكن هو فقط مفرق صحبة تجمعنا على الاغنية. او تجمعي مع صحبتي عندما تجمعت جوارحي وقتها حول تفاصيل الاغنية.

صديق خان. حرفيًا بكل المعاني.
صديق مات. .......………………
صديق تغرب.   و اُعيد كرها.
صديق تائه.  لا ادري يخجلني صموده ام يخجلني عجزي عن لفته نحو تيهه.
و انا.  بعد اربعة سنوات في ظلام استمع لنفس الاغنية مصادفة صحبة من له -مصادفة- نفس اسم احدهم.

"ان الموت يعلمنا الاعتناء بالأحياء" ولكن في قصتي هذه, الكل موتى فلا حي يعتني ولا حي يُعتنى به. حتى الاغنية, باتت بالنسبة لي تعدٍ سافر على مناجاة الشاعر لمحبوبته -حتى و ان كانت متخيلة- و مصادرة على حقه في عدم البوح ارغم على القبول بها لأجل المال او ربما الشهرة او ربما -وهذه وارد ومقبول- لتغير معتقده في البوح!.

عندما ادركت توحد الاغنية واتحادها بذكريات وتفاصيل اعتصامنا في الجامعة بكل ما فيها من تفاصيل وملامح, قررت عدم الاستماع للأغنية سوى كل فترة من السنوات حتى استعيد هذه الذكريات وتلك المشاعر و الافكار. وقد كان. وها أنذا اكتب عنها الان مستمعا للأغنية.

ولأن الموت يعلمنا الاعتناء بالأحياء, فقد جمعتني الصدفة بالأغنية وميلاد صداقة جديدة في ٢٠١٣.
ولأن زوجة عمي علمتني كيف توهب الحياة من الموت(اذ اصرت على اكمال الحمل والولادة رغم خطورتهما على حياتها, وقد كان.) فأقول ان ثمة بندق جديد في الحياة يرد الى الحياة ضحكة صديق قديم و مظلوميته و مشكلاته. وموته منسيًا.

يعيد بندق الجديد ايضًا الحياة للاغنية ولذكريات سلالم قبة الجامعة التي كانت اسِرتنا ومنازلنا وصحبتها اًسرتنا لمدة شهرين و اكثر. يعيد طرح الاسئلة من جديد : لماذا؟ من ؟ اين؟ المسئول؟

يعيد طرح اسئلة الجدوى , يعيد نشوة الحماس. يعيد بث قوة من ضعف القِلة. يعيد الحديث اعتصام بدأ بشخصين ليستمر اشهر وتهب وفاته الحياة لحركة تحمل الشعلة اشهرا اخرى حتى تصل -اسفًا - لنفس الاسئلة : لماذا؟ من ؟ اين ؟ المسئول؟

ربما الاسئلة الميتة كذلك تبث من روحها في اسئلة جديدة. فالأسئلة تولد و تكبر وتنضج وتصقل وتندمج وتتوالد وتكهل وتموت, ومن موتها توهب الحياة لأسئلة اخرى. ويشهد عقلي على ذلك.

مرسال لحبايبي :
- الى الخائن, شطب الفراعنة اسم اخناتون و كتبوا مكانه الخائن, تماما كما فعلت الآن, مع انك لست منه في اي شئ , لست بمؤمن مثله. مثلا.

الى زكري : الابوة ليست سوى فطرة.
الى هرم : لك عودة.
الى بندق : لك كل الحياة.
الى مُندي : نِبراسا.
الى حاتم : رجل والرجال كما ترى.
الى اسامة: قاد يقود فهو قائد.
الى خلود و آية : الى آية وخلود :)
الى الثورة : صنعتيني
الى الاعتصام : شكلتني
الى تحرير : حركة ما وجب يوما ان تسكن.
الى "مرسال لحبيبتي" : لنا لقاء يتجدد

الخميس، 25 يونيو 2015

قصة جملة عن العلامات


ذات يوم قلت -وكثيرا ما اقول- اني شخص يؤمن بالعلامات ولكن بالمقلوب, اذ لا الاحظ العلامات سوى بعد ان يقع الامر فأتذكر بعدها ان علامة اتتني ان افعل, الا افعل, ان اقول , الا اقول كذا  .... إلخ

يومها اعجبت كلماتي هذه الكثيرين بل ان منهم من امّن عليها و عدّها من تجاربه. حينها ادركت اني لست وحيدًا في هذا التعامل العبثي مع العلامات.

احاول طرد السرد. مممم, فلنقص ذلك الجزء الذي يحكي عن بدايتي مع العلامات.
تم القص. (بمعنى الازالة لا بمعنى الحكي)
فهذه المرة الحكي من نوع اخر, فسوف احكي قصة جملة كيف اختيرت الفاظها وتراكبت.
-----
احيانا تظهر امام المرء اشارة نحو فعل امر ما او الاحجام عن فعل امر اخر , اصطلح على تسمية هذا الامر بالعلامة.
اذًا : العلامة
-
يعتقد الكثيرين- وانا منهم- ان ثمة من مرسل لتلك العلامات.و يعتقد الكثيرين -ولست منهم- ان احدا غير الله يهتم بإرسالها. و اعتقد - ولا اعلم من معي في اعتقادي- أن النقاش حول مرسل العلامة يستهلك الكثير من امرها بل ويشغل عن ادراك فحواها.
اذًا : العلامة رسالة.
-
لا دليل مادي على وجودها. وهذا ليس انحيازي الجديد للقلب على حساب العقل, انما ادراكٌ لأن العلامات ليست من شأن العقل في شيء, فله كل الاحترام و التقدير, ولكن هنا ليس له من الامر شيء.
اذا , العلامة رسالة للقلب.
-
هل تُفهم العلامات ام تدرك ام تُرى ؟ لا انشغل بهيئتها بقدر اصراري على اثبات انها حسية.
اقول ان العلامة تبدو -بأي وسيلة ادراكية- ومهما كانت واضحة جلية, فلا يزكي اتباعها سوى حدس في القلب يحرك حِسه نحو تلك العلامة.
اقول ان العلامة لا تُفهم لأنها ليست منطقًا بل حِسًا.  و ان محاولات العقل للتدخل في كل شيء و التطفل على كل شعور يجب ان تتوقف. تتوقف امام العلامات و تتوقف للأبد. يجب ان ينتهي هذا التطفل.

اذا العلامة رسالة للقلب , لا شأن العقل في فهمها.
-
اعتذر للعقل عن سوء الفهم هذا واخبره اني ما قصدت -لا سامح الله- انه عاجز كليا او احيانا عن ادراك الكثير من الامور.
اكرر اعتذاري مضيفًا : لا تجهد نفسك في الحكم على ما لا تملك معاييره.
لتصبح عبارتي : العلامة رسالة للقلب , لا تجهد العقل -عبثًا- في فهمها.
----
تحدث ماركيز عن " الشيطان الصغير الذي يهمس في الاذن بالإجابات المفحمة التي لم ترد الى ذهني في الوقت المناسب"  و تحدثت قبلا عن الفرص التي ستطاردني يوم القيامة. و اضيف اليوم عهدا على هذا المنوال بألا اخالف علامة و الا احكم عقلي في امرها و الا احجم الاقدام عليها , فالجميع يعرف من قراءة سطر ماركيز عن الردود المفحمة وما يليه من سطري عن الفرص, ان العلامات التي خذلتها تلاحقني. اقول خذلتها و اقصد خذلان الانصياع للعقل في امر قلبي , او حذلان عدم ملاحظتها. (اقول ان ملاحظة العلامات  الاهتمام يدخل في تأويل عبارة الرافعي عن ان" الحُسن يتلمس النظرة الحية التي تعطيه معناه" فالعلامة رسالة تتلمس مستقبلها "

لا اعلم كيف سمحت لعقلي بالتحكم في تتبعي لعلامة الأمس من عدمه. لكني رأيتها تنتقم مني بعنف على عدم اتباعها. و لأني شخص قلبي فلم يبالي عقلي بذلك الانتقام او ربما لم تبالي العلامة ومرسلها بعقلي لأنه ما اتبع الرفض من عقاب كان موجها لمن رفض انفاذ رسالة خاصة به وسمح لغيره بالتحكم فيها وتأويلها وهو يعلم انه لا يملك معايير ولا سبل تأويلها.
اقول : و ان اخطأ عقلي, فإن العلامة ومرسلها انتقما من قلبي.

كانت العلامة تقول : اتبع قلبك مهما تعثرت كبيرة كانت عثرتك او بسيطة.

وفهمها عقلي: لا تتبع قلبك فقد تعثرت.

و كان القرار : لن اتبعه هذه المرة

وكانت النتيجة : تأخر القلب عن فروضه فملأ عقلها الساحات.

وحسبنا الله ونعم الوكيل في العقول المتطفلة و القلوب المُنقادة.

الأحد، 21 يونيو 2015

ليس صوفيًا كما يبدو

الصدق, دفء ان يصدقك طرف الحديث الآخر. ان يَصدقك و ان يُصدقك. تلك الفطرة التي تنتكس بداخلي هذه الأيام وتتعرض لكفر بين من الكثير.
قلت يومًا أن "لا يهم ان تصدق حكايتي ولكن يهمني انها حدثت بالفعل" ولكن فتنة ان يكذبك الجميع, فتنة ان تفتقد ذلك الدفء في اعينهم. تلك فتنة تدفعني هذه الايام دفعا نحو الكذب, علني اجد ذلك الدفء ملبيا نداء الفطرة, او ربما مشبعًا لغريزة.. ايا يكن, فذلك الدفء يجب ان يُبلغ ايًا كانت دوافع السعي نحوه حيوانية كانت او انسانية.
ولكن, اعتقد ان الانسحاب لمساحة كهذه؛ مساحة حرة لا انتظر فيها تقييم حكايتي من حيث صدقها او عدمه, اعتقد انها حل مؤقت لتجنب الكذب. ولنؤجل بلوغ ذلك الدفء حتى يحين اوان المؤمنين مهاجرين كانوا او عائدين.
---
اشار رفيقي ذو الملامح القوقازية الصفراء نحو الطريق وقال بما لا يبدو انه عمق او حذق او اصلا ادراك لما يقول : " امشي الطريق واتبع العلامات و ما تشغلش دماغك, اوعى تشغل دماغك عشان ما تتشغلش عن العلامات و تتوه في الصحرا, الصحرا خداعة و الطرق التانية هتفضل تزن ف دماغك, سيبك من دماغك و امشي ورا العلامات عشان توصل -بالسلامة- كل علامة هتشوف عندها العلامة اللي بعدها , لازم تسيبك من الطريق السريع عشان تعرف توصل لنهاية الطريق ده".
-

ف بداية الطريق كان غبار الطرق الاسرع و الاسهل يلوح في الافق, يغريني و يدفعني للتوقف بجوار العلامة انظر نحو الغبار بحذر وحزن و عجز ولهفة, احذر من ان انساق نحوه ولا ارى منه غير نهايته فقط, و احزن لعدم كوني شخصين احدنا يسلك هذا و الاخر يسلك ذاك, احزن لضيق الوقت ولتذكري مجددا عدم قدرتي على الانتقال اللحظي, و اتأمل عجزي و قيدي بطريقي هذا, هل هي العلامات التي تقيدني؟ هل نصيحة صديقي؟ هل كرهي للعقل ؟ هل استمتاعي بالمشي على خط من العلامات تُظهر احداها تاليتها؟ هل لأن المشي على هذا الخط اشبه بنشوة المشي على السلك في سيرك؟ هل صخب السيرك الخيالي و أُنسِه في واقع الصحراء؟ هل تقيدني "بالسلامة"؟ هل قيدتني سلامتي و ادراكي للحظة اني خرجت انشد كذا و ان اهم شرط في كذا ان اكون حي وموجود, ان اكون سليمًا!  هل قيدتني وجهتي و ما انتظره و احسبه ينتظرني؟
اعترف : قيدني شعور بأن ثمة من ينتظرني على الطرف الآخر من الطريق, ثمة من يؤمن بي. نجحت في طرد كابوس الرفض و الكفر بي , نجحت في تجميد اليقين بأنه سيحدث. و حملته فوق صدري و خارج قلبي -هنا تمامًا على هذه العضلة التي ظهرت مؤخرا في اخر قفصي الصدري-  و سرت بيقيني ان ثمة من ينتظر, من يؤمن.

كل علامة تحمل قصة مَن مروا مِن هنا, ترى الى اين كانت وجهتهم؟ الى من؟  هل وجدوا من ينتظر, من يؤمن؟

-
ليس صوفيًا كما يبدو, فما قولت وما سأقول قد اتاني به الشيطان موسوسًا على مدار صلاواتي اليوم. ولا يوجد صوفي يصادق الشيطان. فقد قالوا صافى الله فهو صوفي, ولم يقولوا صافى الشيطان فهو صوفي. هل يوحي الشيطان بالتصوف؟ هل يوسوس به؟ لا اعتقد ذلك -على الاقل حتى الآن-.
-
او انه ليس صوفيًا كما يبدو لأنه صدر عن رفيق -و ان كانت له ملامح قوم بذروا الصوفية في ارض الله بذرًا- لكنه يظل جاهل بأمر كهذا, بل قد يحسب الصوفية فقسًا اذا ما بلغه امرها - ان كان لم يبلغه- او هكذا يبدو رفيقي : ليس صوفيًا.
-
لمنزلي طريقان, احدهما صاخب و مختصر , والآخر هادي ومطول. اعود الى بيتي دومًا- على ما اجد فيه من ضيق نفسي وبدني ممازج للراحتين البدنية و النفسية - مفضلا دومًا الطريق الهادي مهما طال.  وهذا الامر ايضًا ليس صوفيًا كما يبدو.
-
"كنت ضائعا في صحراء مقفرة طرقها خداعة ومفزعة حتى رأيت وجهها فلزمته فتحادثنا فقادتني وقادني وجهها الى وجهتي"
تبدو جملة من تلك السياقات العاطفية المليئة بالمجازات و التعبيرات البرْاقة التي لا معنى لها او على الاقل لا صلة لها بالواقع ولا يمكن تصديقها , لا يمكن الا ان تكون مسبب نشوة لإحداهن.لكنها ليست كما تبدو.

يمكنها ان تكون كذلك " كنت ضائعا في صحراء مقفرة طرقها خداعة ومفزعة حتى رأيت وجهه فلزمته فتحادثنا فقادني وقادني وجهه الى وجهتي"  فتكون جملة من ترجمة لأحد اقطاب الصوفية. لكنها ليست صوفية كما تبدو.

اليوم, اقول اليوم و اقصد ذلك اليوم الذي كتبت فيه هذه السطور , كنت ضائعا في صحراء مقفرة طرقها خداعة ومفزعة حتى رأيت وجهها فلزمته فتحادثنا فقادتني وقادني وجهها الى وجهتي. بلا أي معنى بعيد لما قلت. بل اقول ان هذه الجملة ليس بها اي مجاز ولا اي استعارة او كناية. اقسم على ذلك: اقسم بالله اني صباح اليوم كنت ضائعا في صحراء مقفرة طرقها خداعة ومفزعة حتى رأيت وجهها فلزمته فتحادثنا فقادتني وقادني وجهها الى وجهتي.
-
في معرض حديثنا هذا الصباح- و اعلم انتا لم تكن موجودة فعلا بل ربما لم تكترث بي اليوم وربما لم تذكرني اصلا- خالفت في حدثينا تعليمات رفيقي, ضربت بها عرض الحائط, ولكن ليس لأني استمعت لعقلي او أُسِرت بغبار طريق اسرع, بل لأني كنت تائها عن الوصول الى بداية الطريق اصلا. فكنت اجوب الصحراء بحثًا عن العلامة الاولى.ولم تهدني اليها ذاكرتي او ملاحظاتي - التي قادتني بدقة نحو طريق منطقة بعيده عن العلامة تمامًا-. ريثما بدأ الحديث و اندمجت فيه كالمعتاد : استمع لها بصدق وبصمت , ارد ردود سريعة مرتبكة , اقول ما اريد ان اقول ومالا اريد. اندمجت اندمجت ثم اندمجت لأنتبه فأجدني قد هِمت على وجهي ما يقارب الساعة و انتهيت بإنقطاع حدثيها فجأة لإدراك اني اقف امام العلامة التي يبدأ عندها الطريق.
-
اعتقد ان ما بدأته في اول سطر, بل ما سطرته عنونا للكلام قبل كتابته كان تمهيدا لما قلته الآن. فالعنوان ايضا ليس صوفيًا كما يبدو.
-
في بداية الطريق وانا اندفع في اتباع العلامات منتشيًا بصخب السيرك -او بهدوء الصحراء- ولم اكن قد سمحت للشك بالوصول, أتتني معاتبة ان اتراقص نشوهً في طريق لا يؤدي الى مؤمن- ولا أُخفي رغبتي في ان تكون تقصد ايمانها بي , لكنها لم تقل ولم تُشِر فلم أُحمّلها عبء التأويل وعدم صدقه -.
انتبهت, توقفت , راجعت الامر. و النتيجة : اخبروني فعلا ان لا احد ينتظرني في اخر الطريق.
-
اقع في فتنة تسطير ما حدث وكتابته, او تخزينه و حفظه و التعامل معه على انه سر من اسرار العلاقة بيننا. لكن هذا الكتمان سيضبغه بأسلوب الصوفية في كتم الاسرار الربانية امعانا في بركتها. لكني  سأسطر ما حدث و اكتبه. فهو ليس صوفيًا كما يبدو.
-
لا اعتذر عن عدم التشويق فهذا ما كان بالفعل صدقًا امام الله فهو يعلم انه حدث ويعلم اني لم أخط قدري بيدي. و ان تكن يدي لم تخط قدري اليوم, فقد حكته. انما الحكي خطٌ لأقدارٍ. وهذا ايضًا ليس صوفيًا كما يبدو.
--

-
* ملحوظة : لا ادري ان كان صديقي يقصد " ما تشغّلش دماغك " ام "ما تِشغِلش دماغك" فهو ان بدى في الأولى لا مباليا فإنه يبدو في الثانية يقول من قول الصوفية " ملتفت لا يصل". وربما ايضًا كان بعبارته " لازم تسيبك من الطريق السريع عشان تعرف توصل لنهاية الطريق ده" يفسر مبدأ الصوفية أن "لا تجلي بلا تخلي".   ولكنه رغم ذلك يظل ليس صوفيًا كما يبدو.

-
٢١ يونيو ٢٠١٥
لا يَهم التصديق, فقد حدث بالفعل.
-
تعديل : لا انكر رغبتي في ان ارى البريق, لكني لن اهتم. على الاقل هده المرة. و ان حدث و تراجعت ووضعت ما سبق على طريق الحكم على صدقه, فذلك ليس الا من شعور -ربما حينها تكون ثقة- ان البريق نفسه هو ما ينتظرني في اخر هذا الطريق.

الجمعة، 19 يونيو 2015

ما يستحق الحياة

دفء الشكوى و أمان الاستقبال
الاستمتاع بالاستماع
اندفاع الصدق و حنان التصديق
عذوبة الطرب و خدر الآذان
سمو الموسيقى وتطهر النفس
وضع الجنين و حضنك لنفسك
قرع الطبول و تحليق الروح
طمئنة القلق وقول "ما تقلقشي"
تهدئة الروع وسمو الورع وطمأنة الفزع
صورة حشد وتعقيد صوته الموحد
الاستسلام ولذته
التسليم ونزغاته
مرور الايام بحلوها ومرها
الوعد الصادق
الحياة بتعقيدها
الضمان و السند و الكفل و الكفاية
التحية وبسمة اللقاء
حرية الخيول
ليل كما الحرملة
التخلي
التجلي
اداء الرسالة
الجنان الحور و " الست بحور"
الازرق
ثقة المُنتظِر وسعي المنتظَر
الشروق
الثبات
الدار
التاريخ
قطرات الندى
الاحلام
النوم
اهل الله
التآم الجرح
ضرب العود وطربه
النظر فيما فات
الاهتداء و الهداية
الطريق و المصباح
البحر و ابوابه
السجن و اسواره
القائمين كما يلزم
القيام كما يلزم
الحياة
حنو الكسر
ثغرات اليأس
شمس الأسر
طمأنة الأحلام
القلم و الورق و الكتابة و الحبر
اطلاق الخاطر
الاستشهاد
صوت الماضي و رؤيا المستقبل
الآتين في موعدهم , بلا موعد
برد في الحر
ما لا يدرك
سكن