الثلاثاء، 19 مايو 2015

غلبني الشوق

لا اذكر ان يومًا تحدثت عن المعرفة بأني علمتها , دائما ما اقول " ادركت" .
و هذه المرة اقول اني أدرك ان " غيبة الشخص عن ناظري و حاضره في صميم الفؤاد" و لكني اعترف اني ادركت ايضًا الشوق و ادركني , وكذا ادركت ان " الشوق غلبني و غلّبني" و اني في غيبة هذا الشخص عن ناظري عاجز مغلوب و غلبان.

قرأت كثيرا و اطربني الحديث و كتبت ايضا عن الشوق الذي لا يسكن باللقاء و عن المحبة الكامنة متقدة لا تخبو بالبعد , ولكن -وفيما يلي لكن دومًا كل الصراحة- ارهقني الشوق و اتلف روحي و افسد افكاري و تصوراتي وسلوكي, تمكن مني حتى بات يحرك خيالاتي ,كلماتي و قراراتي.  ولازال يتحكم في كياني ويقوده حتى اذا ما جرأ في اللقاء على المبادرة بسلوك من مسالكه وسلوكياته لجمته , ويعلم الله وحده كيف لجمته. كما يعلم -وحده ايضا ,دوني- كم اندم لأني لجمت شوقي و منعته عن البوح , في قبلة مثلا او حضن مطول. مثلا.

اشتاق للجميع للأصدقاء للأهل للرفاق لأساتذتي لكتبي و قراءاتي و كتاباتي وموسيقاي. اشتياقات متعددة اوزن بها شوقي لها , حتى اذا انطلقت في تسكين تلك الاشواق بالأحضان والسمر مثلا , وازنت بها مثقال ذرة من شوقي لها. فهاهو شوق يُخمد عبثًا دونما لقاء حتى . ولأنه عبث فلا يخمده مهما بلغ وزن هذا العبث.
فهي -و ان قيل ما سأقول- لها شوق لحضن صديق وملازمته و حنان اهل و دفء منزلهم و منزلتهم , لها ايمان رفيق و علم أستاذ ومتن كتاب وشغف قراءة ولها ما اكتب الآن مستلهما من موسيقى احبها من فنون بلاد بعيدة بعيدة.

تمضي سنة -مضت بالفعل- و لا اذكر لقاءنا الذي تعدى ترتيبه عدد اصابع اليدين , لأنه ببساطة لم يحدث. ولكني اتذكر الشوق الذي يعصف بي (ربما يكون لفظ اتذكر خاطئ لانه لا يزال يعصف بي ) و اتذكر الفرص الضائعه و اللقاءات التي بالغت في لجم شوقي حتى انعقد لساني اعقد من عقدته المعتادة في قربها! -_-

ستلاحقني تلك الفرص يوم القيامة , ستنتقم مني اللقاءات الصامته اشد الانتقام , سينتقم مني الجمال الذي لم امدحه في حضرته بل حاولت بمنتهى الغرور و الأنانية مقارعته بصمتي , اذ كنت حينها من حمقى " الصمت في حرم الجمال جمال"  وما زلت على ذلك حتى مضت سنوات عديدة لم ارى فيها جمال اخرس فوالله مضت سنوات ولم ار جمال -كل الجمال-الا وكان يضج بعذب الكلام و الطرب , فلما مرت سنواتي تلك مع الجمال المتكلم اللبق قررت ان لا صمت في حرم الجمال و ان الصمت في حرم الجمال لجام.

يومًا ما غلوت في لومي لنفسي فقلت ان حضنك سينتقم من اضلعي يوم القيامة ان احجمت مجددا عن ضمه حنانا او الغوص فيه هربا.

ستلاحقني لحظات الانكباب التي زهدت فيها , ولن يكافئ الله من ابطل السعي الى من يحب. لن يكافئه.

لما لمت بالي عن ذكرك في الصلاة , قال ان في القبلة قبلة.

عاوز المسك , عارف ان ده حرام وعيب وانه وسوسة شيطان و انه معارض لكل اللي مؤمن بيه ومستقر ف قلبي و انه معارض للوعود و للعقائد و انه ممكن جدا يكون مبتذل , بس الشوق غلبني ,  طول السنة مشاعري متقدة لم تخبو يوما , في الصلاوات في القيام في الركوع حتى  في القِبلة نرى قُبلة.

سنة ومشاعر متقدة بلا لقاء حي , لقاءات عابرة كل كذا شهر ,  احاديث يومية كل ساعة و كل لحظة تستبدل الشوق بكلام اجوف لا حس فيه , لا صوت لا صورة حُسن ولا انفعالات او مشاعر تلمس في اليدين.
شوق يكافح الوصل الجاف , وصل الكلمات , شوق يكافح وصل فيه اللاوصل بعينه , لا هو وصل ولا هو هجر , كان الله في عون شوقي.

اتأمل غربتي , و انقطاعي , ليته طال اكثر ليتها كانت سنة كاملة دون اي وصل اي وصل نهائيا ليته ظل شوقا متقدا بلا صراع مع اشباه الوصل.  انت جميل يا وصل , فلماذا تبخل؟

انتي الوصل و الصلة و الواصل , و الموصول.

كلما ضاقت العبارة ضيق صدري بالبعد , اتسعت روحي لتبلغ صورتك في خزانة اعماق الذاكرة , تستحضرها و تبث فيها من روحي لتمثلي امامي بصورتك و حسنك بنهرين يشقان جبينك المنفعل ابتساما او غضبًا , بمناسبة النهرين , سنتناقش الآن حول اسميهما فهل اسميهم دجلة و الفرات اذ فيهما ارحل واليهما و لهما اهاجر؟ ام اسميهما رشيد و دمياط اذ اليهما انتمي و لهما احن؟ اجيبي يا روحي. لحظة , فأنا لم اعد ادر من يسأل و من يجيب فهل انا روحي التي بثنها روحي في صورتك ؟ ام اني روحي التي بثت روحي في صورتك؟ هل اصلا هناك فرق؟ 
لماذا اسعى دومًا لأن البس روحي روحك بينما هذه المره بالذات نحيت روحك جانبًا؟ هل تراني استسلمت ان روحك ليست روحي و اننا لسنا روح واحدة؟ هل استسلمت لطردك المتواصل لروحي ومنعها من الاقتراب؟  اجيبي يا روحي .

لن اعتذز عما فعلت , فكل شيء و كل شوق و كل لقاء كان بيدك , فما دفعني اليه الشوق من انكباب انما اوقدتِ انتِ مراجله.

لم يكن ليضير احد لقاءنا , لم يكن ليغضب الله من لقاء بالمعروف. وصل بالمعروف كان يجنب الشوق و القلب صراعاتهما طوال السنه مع الكلمات الجافة.

اخطأت كثيرا عندما لم آخذ منك موثقا وعهدا و وعدًا. قصدت تحريرك منك التزامات عبثية مبتذلة وذائعة , فحدث ان تحررتي منها و توثقتي بالعبث وتعهدتيه.

لا يجدي استجداءك نفعا ولا تجدي نفعا نقاشاتنا المحسومة قبلا ب " الا انت" كما لا تجدي نفعا دعوات دون يقين او ايمان بقبولها.  ولكني مؤمن.

وللحديث بقية ما اتقد في القلب شوقٌ.
١٩-٥-٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق