و حين هممت أُكبّر لأستكمل نوافلي جاءني نداء " ايها الشرير الصغير". لم استطع تمييز الصوت رغم اني اعرفه تمامًا , فصوت شيخي لم يأتني يومًا بالنعت السيء .
قلت : بعد كل ما قدمته اليك من طاعة , وبعد كل ما اجتنبته من محاذيرك , تناديني بالشرير؟! هل تُراك تفضح ما بين نفسي من شهوات و معاصي؟ (قلت هذا لنفسي عندما شعرت للحظه ان الله يناديني بصوت شيخي) . لكني لم ازد عن نظرة ذهول لشيخي حين التفتت له.
- هل تعلم لمّ سمي الشرير بالشرير؟
اختفت من ذهني كافة التعريفات المنطقية التي درستها على يده في جلسات المنطق , ولم يجرِ على لساني- لا بالي- الا تعريف الشيء بأنه نفسه.
- لأنه شرير
لا , بل سمي الشرير بذلك لأنه ملازم للشر و مرافق له على الدوام. اذا قضاه في سلوكه لا ينتهي عنه بل يواصل التفكير فيه حتى و اذا لم يخطر بباله الجديد من افكار الشر او افعاله.
كان شيخي يعلم ما لا اعلمه عني , لذا لم اسأله بلساني ما علاقتي بما يقول. فقط لبيت طلبه لأن نجلس الى العامود المجاور لنا. كان اسمه واجد وهو دومًا الاسم المناسب لحاله اذ يجد في نفسي مالا اجده او غيري فيها.
تعجبت من حرصه على ان استند انا الى العمود ويجلس هو بين يدي كأنني المعلم وهو الطالب للعلم.
أكمل الشيخ : يابني , ان لله كذا وتسعين اسمًا وقيل كذا مائة اسم , بل قيل ان له اسماء بعدد ما في الأرض من اسماء وصفات و اكثر, ولا ترى فيهم غير " الكافي" ؟
لم يخبرني زملائك كما قفز الى ذهنك الأن , لكني اسمعك دومًا في مناجاتك وفي قنوطك لا تنفك تدعو الله بأن يكفيك شر , ليس شر بعينه بل شرور عديدة. اسمعك تستعيذ به و تستكفه من شر كذا و شر كذا و شر فلان و شر فلانة وشر الشيطان و شر الجحيم و شر الشعور بكذا و شر فعل كذا.
يابني , ان الله رحيم يرحمك من الشر و حليم صبور يصبرك عليه , و قوي معين يعينك عليه , و عظيم عالٍ يعليك فوقه , و شكور حميد تحمده عليه , و حسيب يجيرك منه , و وارث يورثك خيرًا منه , وصاحب يرافقك ويشد من ازرك في مواجهته , ورفيق يرفق بك منه ويرفقك ويرققك من بعده ويجنبك تبعاته وتشوهاته , و لطيف يلطف وقعه عليك, و ان الله رازق رزاق يرزقك من لدنه الرفاق.
ان الله في كل ما يحيط بك فلا تنظر له في الكفاية وحدها , فالله في المنح و الرغد كما في الكفاية , كذا في الضيق.
و اني لم اجلس منك هذا المجلس أسندك الى احد اعمدة المدرسة كما المُعلم الا لأنك في الدعاء مٌعلمي , اراقبك و اسمع من دعاءك و انشادك ما يلطف قلبي و يطيب روحي. يطهرني بكاءك. فما أنا الآن منك في هذا الأمر الا تلميذ اراد لفت معلمه لملاحظة حسبها رغم علمه قد فاتته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق