الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

لم شمل

يقودني صديقي الى غرفته تماما كالأيام الخوالي. نجلس في محاولة لم الشمل على نفس المكتب.
لن تدخل علينا امه تحمل الطعام كما اعتدنا منها ايام الثانوية. لا لأننا كبرنا بل لأنه توفيت قبل عام.
سوف تدخل علينا أخته اذًا تحمل الطعام بنفس مذاق صُنع الوالدة. لكني هذه المرة لن اتبادل معها النظرات وهي تحمل في رحمها طفلة اخي المنتظرة.
تدخل امي معاتبة اننا مازلنا كسالى كما اعتادت منّا. وتبشرنا بالبشرة التي ننتظرها قائلة: لم تكبرا بعد!. نحمد الله اننا لم نكبر. و نعتذر منها ونساعد زوجة اخي.
لن يدخل علينا أبوه الذي هجر البيت لسبب غير معلوم منذ علم لأول مرة بمرض الأم.
قبل أن نبدأ بالأكل نطالع الكتب. هكذا كنا و هانحن ذا. اهملنا الكتب التي اعتدنا قراءتها منذ زمن. في مكتبتي و مكتبته الحاليتين توجد كتب اخرى ولكنها تتشابه مع كتب المراهقة في ان كلهم ليسوا للقراءة.
انظر الى مكتبة المراهقة في غرفته و اجدها منظمة تمامًا ولا يبدو عليها أي اهمال. فقد اعتاد اخته الصغرى تنظيف هذه المكتبة و الاعتناء بها منذ أن صارت تقود منزلهم وصارت تجلس فيه بمفردي.

القاهره، حلمية الزيتون ، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧

الجمعة، 9 يونيو 2017

قليل من التطفل

تلك المرة رآها مندمجة في الاستماع للموسيقى و امضى مع خياله وقت ملاحظتها في الاستماع لمقطوعته التي تمنى ان تكون تستمتع لها في تلك الاثناء.
ولما اشتد تملك الحب منه هم يتقدم منها منتزعًا سماعتيها برفق ليضعهما على اذنيه.
لا يذكر تحديدا ما المقطوعة التي اكتشف انها كانت تسمعها لأنه حتي و بعد وضع سماعتيها ظل يستمع لمقطوعته المفضلة.
-
كان لابد من مقدمة شاعرية تلهي القراء عن تعدي احدهم على خصوصيات احداهن و انتزاعها من خلوتها بموسيقاها. ورغم ان كلهم يرغبون في ذلك الوقت الهادئ الذي يمضونه في الاستماع للموسيقى و الاستمتاع بها دون مقاطعة من احدهم, الا انهم لم يبالوا بما فعله ذلك المتعدي الغريب بل و اعجبهم المشهد حتى كتب اليّ بعضهم انهم قلدوه كخطوة لبداية تعارف مع حسناوات تأسرهم.
وعلى الرغم من دفاعي اعلاه عن الخصوصية, فإن جميع من راسلوني حول اتخاذها كخطوة اولى اكدوا ان الحسناوات استحسنّها.
و ان كان امرا عاديًا ان يثبت الواقع ان النظريات الانسانية محلها الكتب فقط, فهو امر غريب اذ لم اتوقع ان يُثبت عدم فهمي للنساء مرتين في اقل من اسبوع.

الى الفردانيين: لن تمروا

انا بكره العالم الإستهلاكي الفرداني اللي بنعيش فيه.
المترو داس على حد و وموته والناس مش مهتمة غير ان المترو اتعطل.
السواق بعد ما فرمه فرمل. طب ما انت لو عرفت انك فرمته تبقى عارف انك كان لازم تفرمل بدري. 
الناس وصل بيها الامر لإنها تلوم الست اللي اغمى عليها على الرصيف من المنظر بتساؤل ساخر : هو يقرب لها حاجة ولا ايه؟
الناس بيلوموا الشخص اللي حطته اقداره قدام المترو و انه كان لازم يجري اسرع من كدة او يكون اكتر حكمة في قراره. كل ده عشان لما شاف المترو اتخض و ماعرفش يتحرك. الناس بتلوم عجزه عن التفكير قصاد الموت.
طلعت اشاعة انه طفل صغير كان بيلعب على الرصيف فأول تعليق كانت أن امه ماعندهاش دم عشان تسيب الولد يتنطط على الرصيف.
طلعت اشاعة انه راجل عاوز يلحق المترو اللي في الناحية التانية فأول تعليق كان أن الدنيا ما طارتش، يليه في نفس اللحظة تعليق : طيب خلاص ياريت المترو يتحرك عشان نروح اشغالنا.
طب ماهي برضو الدنيا ما طارتش!
المترو كمل عادي ، و آلاف البشر جوة العربيات مش مهتمين غير انهم يوصلوا الشغل اللي بيستهلكهم. يمكن الناس اللي في العربيات الاخيرة ما يعرفوش اللي حصل اصلا. وحتى لو عرفوا ما اعتقدش أن تعليقاتهم هتختلف.
فكرة أن الجموع تتحكم في مصيرك دي فكرة مفزعة. و الافزع  انهم مش بيتحكموا فيك عشان عندهم مصلحة جمعية ، لاء دول بيسحقوك بشكل فردي من شخص لشخص وكل واحد مؤمن ومنتشي أن دي مصلحته الفردية و لازم هي اللي تسود مهما كانت مصلحة مؤقتة زي انه ينتصر في مشوار الوصول للشغل مع ان الشغل اصلا مش مصلحته، مهما كانت مصلحته تافهة حتى بالنسبة له لازم تسود حتى لو على جثتك.
.
السعودية بتقتل الآلاف وتشرد الملايين في اليمن بدعوى انها تبعد بين ايران و مكة ، مع ان صاحب مكة نفسه قال أن هدم الكعبة اهون من سفك الدم.
.
مفيش حاجة اهم من روح الآخر ، عشان الآخر برضو يبقى قدامه مفيش أهم من روحك.
.
ممكن تبقى فرصة نمارس هوايتنا في التحدث الى الغرباء و نقول لتلك الروح الغربية التي زهقها المترو : سلامُ عليك اينما حللت غير متعجل و غير مُهمِل و غير مُهمَل. فزعنا خبرك ، لا فزعك الله في مستقرك.
.
انا بكره الفردانية و بحس بخنقة و ضيق كل ما بشوف حد فرداني او تواق للفردانية ، بحس انه الشخص الجميل الذي عاوز يعيش حياته بشكل نفعي تماما وهو احد السائرين المحتملين فوق جثتي الملقاه على قارعة الطريق.
I'm totally disappointed.

مساء الارواح التائهة

يُخبر الله عن نفسه بأنه " الأول و الآخر"
.
انا مؤمن أن الانسان هو انعكاس لله على الأرض. انعكاس ثانوي لأمور كلية اختلف على تعريفها هل هي صفات أم افعال أم ادوات. و ان اتجنب النقاش في طبيعتها فأسميها " أمور الله ".
الرحمة و المحبة و المنح و المنع و القوة، اليد و الفكرة و الخلق و الصنع، الدقة و النقصان و الكمال، السلطة و الطاعة و التسلط.
نفخ الله من روحه في الانسان فمازال الانسان يمنح هذه الروح الى ابناء يكبرون بها ثم يمنحونها لأخرين وهكذا وهكذا الى أن يحبس الأرواح من أطلقها منذ أول.
-
حتى البطش ماهو الا الاستخدام الانساني للقوة التي وهبها الله له من قوته.
و تجاوزًا للامثلة المترادفة نقفز الى أن سعي الأنسان إلى الكمال انما هو حنين الجزء الى كله. ذلك الحنين الغريب الذي يدفعنا دوما للقول " ثمة امر ما ناقص" مهما بذلنا من مجهود لأتمامه او للأقتناع بأنه كامل. بل أن هذا النقص هو المحرك الأساسي للمتناقضين: الرضا و الطمع. فإن ادراك النقصان يدفعك الى  التواضع والكف عن ادعاء الكمال ، وهو كذلك ما قد يدفعك الى اللهث وراء الكمال.
أن هذا الشعور بالنقصان انما هو الاساس لشعور الإنسان بالغربة، وهذا أمر أفهمه تمامًا، فتلك الروح منبتها السماء و ستظل حائرة ولن تستقر الا في السماء. سواء في نهاية مطافها او بتمسكها بصلات حقيقية مع السماء حتى يحين أوانها.
-
اللي أنا واثق منه ومؤمن بيه أن الحب من أهم أمور الله. لو لم يحب الله الأنسان لما وهبه روحه.
وعلى أن وهْبنا روح من الله لم ينقص من روحه أمرًا، يبقى هذا هو الدرس الأول الذي طبع فينا أن نوهب روحنا لمن نحب.
ولعل ذلك بداية جيدة لفهم لماذا قد يكتب أحدهم قصيدة نحتار هل كتبها الى الله ام الى انسان.
-
كل اللي اتقال ده مرده الى محاولتي الناجحة لتفهم مقاربة الشاعر بين قول الله عن نفسه " هو الأول و الآخر " و قول الشاعر " أنتِ بداية روحي و أنتِ الختام "
.
ايتها الأرواح التائهة،  مساء الخير

الحاج حسن عشرة

يسعى الحاج حسن بكل قوته وقدراته وعلاقاته أن يحصل إبنه إبراهيم على إدارة الأوقاف و إمامة الصلاة و خطبة الجمعة و القضاء العُرفي وكل ما يمت بصِلة للمكانة الدينية العليا في القرية .ربما يصبح أيضًا مأذون القرية و نواحيها , لما لا ؟!

يجمع الحاج حسن الأموال الطائلة منذ بداية تجارته في الأخشاب إلى توسعه في إستيرادها من الخارج ..

يقرر الحاج حسن إبتعاث إبنه إبراهيم للدراسة في الأزهر للحصول على الإجازة اللازمة ..

يسافر إبراهيم ويعود بعد سنوات الدراسة للإستقرار في القرية ليصبح إمامًا لمسجدها الجديد الذي أرسل والده في طلب الأخشاب اللازمة لبناءه خصيصًا من لبنان .. لا يدري أهل القرية إن كانت تلك الواقعة حقيقية أم أنها مبالغة من الحاج حسن الذي أذاع في القرية أن محمد علي شخصيًا هو من أقام إبنه على أمور أهل القرية الدينية .

يتزوج إبراهيم الإبن الأثير للحاج حسن , ورغم أن شقيقه عليّ هو من أنجب الولد بخلاف إبراهيم الذي أنجب عائشة فقط , إلا أن إبراهيم يظل الأثير. ربما لأنه يحمل إسم جده وحلم جده الذي لم يتحقق بأن يصبح حسن شيخًا مُعمّمًا.

بعد أن إتجهت جنازته إلى المقابر العامة إذا بالنعش يُثقل عند مرور حامليه أمام المسجد , يحاولون الإستمرار لكن يظل النعش أثقل ما يكون , فيذكرهم أحدهم بالوصية , فيُدفن إبراهيم على وصيته في المسجد.

تمر مائتي عام , و تكتظ القرية وتتعقد و تمتزج فيها الحضارة بالحياة البسيطة فتصبح أشبه بالمسخ العشوائي وتصبح "مدينة" , يتغير كل شيء , حتى اسم الجامع , حتى القصص التي تدور عنه , ويظهر للجامع شيخ مبارك دفن فيه قبل كذا وكانت له كرامات كذا وكذا , يقرر الأهالي الممسوخين أن يهدموا المسجد " القديم " رغبتةً في تجديده , ويشاع في المدينة أن أحدهم سرق من مال المسجد و أن المسجد الذي يُسرق منه يجب هدمه و إعادة بناءه ( تكررت  القصة أربع مرات برر الأهالي بها هدم أربعة مساجد ) , يتماشي الامر مع متشددي المدينة , فأهلا بأي هدم لضربح او مسجد تدور حول اسطورة بركة و تبارك . يهدم المسجد , يمسخ تصميمه و يبني بناءا ضخما جديدا , لكنهم ظلوا يرددون انه احد اقدم مساجد المدينة.  احد اجدد مسوخ المدينة.

سليلة الحاج حسن , تمر جنازة الأخت الرقيقة و الإبنة الأثيرة من أمام المسجد -وكان قد تم تجديده- .. ليخبرني  أحدهم بعدها أن حدث كذا وكذا , ولكنهم واصلوا الطريق نحو المقابر.

يبدو أنها رغم كونها من نسل عليّ إلا أن لها صلة بإبراهيم , صلة تصل روحه بروحها كما وُصلت بروح عائشة الأولى و الأخيرة.

جريد النخل العالي

و احنا صغيرين كان عندنا خمس نخلات، كل نخلة كنا مسمينها بأسم حد فينا، سمير و زبيدة وهاني و احمد و ماما. كل النخل اللي بأسماءنا كان نخل بلح زغلول، ماعدا النخلة اللي بأسم ماما كانت من نوع اسمه " شجعة" كانت دايما نخلة هزيلة ضعيفة و مش بتغل كتير ورغم كدة كان بلحها جميل جدا و مميز. من ضمن اسباب تميزه أن البلح الزغلول الحلو كان موجود في كل حتة ، بس نخل الشجعة كان نادر الوجود ورغم أن ده معناه انها تتطلب اهتمام اكتر ، الشجعة دي ماتت من كذا سنة.
.
ماما كانت دايما تقول انها حية فينا ، تقول سمير ده قلبي وزبيدة دي روحي و هاني ده دراعي اليمين وفريدة دي آمال الصغيرة.
كان مرة سمير اشتغل في فيلم اسمه كف القمر عن قصة لخمس أولاد و امهم ، و من بعدها ماما بقت بتقول علينا احنا الخمسة " كف القمر ".
-
ماما شافت كتير ، وكانت مريضة لفترة كبيرة ، وكان جسمها وصحتها آخذين في الضعف و الهذلان ورغم كدة كانت قوية وكل ما اشوف جسمها وهو ضعيف و كلامها عن قوتها افتكر تميم وهو بيتكلم عن الهلال اللي كان ساطع في سماء بغداد بعد غزو المغول
" ﻳُﻮﻗِﻦُ ﺍﻟﺮﺍﺻﺪﻭﻥَ ﺑﺄﻥ ﻻ ﺻَﺒَﺎﺡَ ﺳَﻴَﻄْﻠُﻊُ ﻣِﻨِّﻲ ﻷﻧﻲ ﺿﻌﻴﻒٌ ﻧﺤﻴﻒٌ ﻫﺰﻳﻞْ "
بس ماما طلع منها مش بس خمس صباحات ، سمير وزبيدة وهاني و أحمد وفريدة ، كمان ربنا قر عينها بفرحتها بحفيدتها سارة. صباحنا السادس. صباحنا النادي.
-
" كم يُوجع الورد ألّا يُشم "
مشكلة ماما الحقيقية أن كان نفسها تتقدر. كان نفسها تفرح. مش اكتر. يعني عمرها ما قالت انا ربيت فلان او فلانة بس كانت عارفة من جواها أن الناس دول مقدرين مجهودها معاهم من صغرهم. يمكن اللي كانت مش قادرة تفهمه هو ليه فيه ناس تانيين بيتفننوا على مدار حياتها أنهم يظهروا عدم تقديرهم لمجهودها في مساعدتهم. ورغم كدة أنا متأكد انها لو عرفت انهم شمتوا في موتها هتسامحهم زي ما سامحتهم لما شمتوا في موت اخوها.

اللي انا مش قادر استوعبه الحقيقة هو ايه الانجاز في أن حد مات؟ يعني ليه تحتفل بموت حد يعني؟ بغض النظر عن أن الحد ده هو اللي مربيك و مجوزك ومأكلك ومشربك، السؤال المحير : انت حققت ايه تفرح علشانه بموت الشخص ده؟
-
العيشة في المدينة الكئيبة المُعقدة بتلهينا عن وجود النوعية دي من البشر. ايوة يا جماعة في ناس معانا على نفس الكوكب بيفرحوا في موت حد كان دايما متسامح معاهم. فيه ناس بالعبط ده و الهبل انه يحسوا انهم انجزوا حاجة في حياتهم لما ماما تموت رغم انها ماتت من المرض يعني بدون اي مجهودات منهم!

واحد صاحبنا قالنا امبارح " انا نفسي اقولكم حاجة جديدة ، بس اللي انتوا فيه ده بتاع ربنا ، وعلى فكرة أنا كمان هموت وانتوا هتموتوا ، و امي هتموت. هو انا مش عاوزها تموت بس هي اكيد هتموت"
-
هل تعلم : كلنا هنموت. انا و انت ، و اللي لبسوا احمر و ملوّن احتفالات بموت ماما.
هل تعلم : الاحمر و الازرق و الاخضر هيموت، كلنا هنموت يا جماعة.
-
" نظري الى وجه الحبيب نعيم و فراق من أهوى عليّ عظيمُ"
.
عزائي الوحيد أن من شدة المرض اللي ماما كانت فيه وشها لما ماتت كان مرتاح أكتر من لما كانت في العناية المركزة على الأجهزة.
كانت ماما كل ما اجي اصورها تقولي " بلاش نتصور دلوقت و استنى لما اخف ووشي يرجع حلو " و الحقيقة اني عمري ما شفت وش ماما احلى من لما شفتها بعد ما ماتت، بس للأسف ما أتصورناش مع بعض كتير.

" يابني انا كنت ملكة جمال إمبابة في السبعينات" :))
-

محمود درويش قال عن حب الوطن في البعد  " وطن لا تحبه و انت فيه كما تحبه الان وهو فيك " و انا احب انتهز الفرصة دي و اعدل بس عشان اقول " وطن لا يحبك و انت فيه كما تحبه وهو فيك "
.
الحقيقة انا مش عارف اتكلم عن مكان بحبه اسمه ادكو ، و عن بيتنا اللي بحبه رغم اني بعيد عنه فترة كبيرة اخر كذا سنة ، ورغم كدة أنا محتاج اتكلم أن البيت ده و المنطقة بتاعتنا اتبنت على اكتاف ماما و تحت عينها ، على مدار ٣٠ سنة مفيش بيت كان يتبني في الطويبة الا وماما تتكفل بأكل وشرب العمال اللي شغالين فيه لدرجة أن أهل البيت نفسهم مش بيعملوا كدة مع العمال اللي شغالين عندهم. وطبعا مش محتاج اقول ان فيه بيوت من دي كانت فرحانة جدا أن ماما ماتت. حاجة غريبة جدا.
-
احنا بنحب بلدنا ادكو وبنحب منطقتنا الطويبة و بنحب عيلتنا وقرايبنا وصحابنا ، بس انا حرفيا ماعدش ليا نفس اقعد في البيت بتاعنا وعلى بعد خطوات مني ناس مقززة مقرفة بتعتبر الموت إنجاز يفرحوا بيه.
انا صورت كل حتة في بيتنا علشان اخده معايا فين ما اروح، و اتبسطت أن صحابي شافوا where I belong و زعلت جدا ان فيه ناس قلت لهم ما يجوش عشان نفسي يدخلوا جوة حياتي اكتر ، انا عشت في البيت ده معظم حياتي و عمري ما حسيت زي الأنس أن صحابي موجودين فيه.
.
انا مش هفضل استغرب كتير على اللي حصل بس ممكن اتقمص شخصية ماما وهي بتسامحهم كل مرة ونتساءل:
يعني كان هيجرا ايه لو فرحتوا بموتي من غير ما تتنططوا هنا وهناك؟
يعني يابنتي انتي وهو لو ما لبستيش احمر و ملوّن كانوا هيقولوا اللي مافرحتش في موتي اهي؟
.
على هذه الارض ناس فاكرين انهم مش هيموتوا

يوم الرجل العالمي

احنا مش محتاجين نثبت حاجة لحد ، ومش محتاجين ابراء ذمة او اخلاء مسئولية قبل ما نتكلم عن افكارنا. احنا بنقف كدة بكل اعتقاداتنا و نقول ها أنا ذا.
بديهي جدا أن تكون كتاباتنا هي تجربتنا الذاتية او انعكاساتها او نتايجها، فأحنا مش محتاجين نشرح ده لحد ومش محتاجين نبرره.
انا مش عارف اروح فين ولا اجي منين.
.
هو ليه العالم بيحتفي بيوم المرأة العالمي و مش بيحتفي بيوم الرجل العالمي بنفس القدر؟
.
جزء من الفزع من فقد ماما اني فقدت التجسيد الأول و الرئيسي للأنثى في حياتي. ده امر مفزع. قدر الحنية و الحب ده ماعادش موجود، في لحظة كل ده ما بقاش موجود. النبع اللي كان بيغذي تصوري و تطلعاتي ناحية الأنثى فجأة اختفى. ده امر مفزع.
احنا بنعرف أن الناس بتحبنا عشان احنا جوانا حب في الاساس ، الحب ده منبعه الأم. بنقيس على حب الام حب اي حد تاني ، بنقيس على وقفتها جدعنة اي حد تاني ، بنقيس على حنيتها طيبة اي حد تاني، مش بس حبها المتجلي في سلوك يظهر او يختفي ، حبها المترسخ في كونها ام. فاهمين النقطة دي ؟
.
من الحاجات اللي اتعلمتها من ماما أن الامومة مش مجرد علاقة بين ام و أبناءها، هي في الاساس علاقة بين بشر، المحبة فيها هي انعكاس للحب بين البشر. من الحاجات اللي عرفتني ده لما ماما كانت بتغني لكل حد فينا مقطع من قصايد ام كلثوم  او تردد وراها وهي بتغني ، او تقتبس من اغانيها في الكلام معانا وهي تقصد تقول المعنى ده. مواقف علمتني ان اللي بيحب مرة بيحب مرتين، و اللي بيحب انسان بيحب ولاده ، و ان الحب ما بيتجزأش. و يمكن ده اللي خلاني استوعب بعد كدة لما قريت قصائد بتمزج بين الحب الالهي و الحب البشري و الناس احتاروا في تحديد وجهتها مع أن الموضوع سهل وبسيط : الحب واحد.
.
لما سارة بقت بتعرفني و بقت تبص لي لما حد يسألها : خالو احمد فين ؟ جسمي قشعر لما بصت لي وضحكت لي ضحكة مخصصة موجهة ليا عشان انا مش عشان بتضحك وخلاص. شفت كل ضحكة ضحكتهالي ست في حياتي، أولهم ضحكات ماما و جدتي اللي كانوا شبه ضحكة سارة جدا بالذات في الملامح.
.
هو ليه مدرسين الحضانة و اولى ابتدائي بيكونوا ستات؟
.
و انا في خامسة ابتدائي كان فيه مدرس الولاد مش بيحبوه وبيتخنقوا منه ، بس انا كنت بحبه مش بس عشان كان مدرس الخط الموهوب ، بالاخص عشان مراته كانت مدرستي في اولى ابتدائي ، كنت بحسه حد من اسرتي.
.
طبعا امر مفروغ منه اني بحس أن الستات بيدوا  الحياة طعم ، بس انا برضو بحس أن الستات بيدوا للحياة ثِقل، بيحسسوني بأني موجود هنا ، على هذه الارض، مش طاير ، مش سايل ، مش هلامي وماليش ملامح.
.
انا فعلا بستغرب من الناس اللي بتسأل هو ليه بنحتفي بالستات ومش بنحتفي بالرجالة، يعني بذمتك دي مناظر نحتفي بيها؟
.
ﻣَﻦْ ﻏﺰﻟﺖْ ﻗﻤﻴﺺَ ﺍﻟﺼﻮﻑ
ﻭﺍﻧﺘﻈﺮﺕْ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﺎﺏ
ﺃَﻭْﻟَﻰ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﻯ
ـــــ درويش
.
انا مؤمن جدا بأن لو الميزان بين الراجل و الست مش متساوي فهو لصالح الستات ولازم يكون كدة . انا بحس انه طبيعي جدا اننا نحتفي بالستات ، بعض النظر المجتمع عادل تجاههم او لاء ، سواء في مجتمع متقدم او متخلف, الاصل في الراجل أنه يقدر الستات ويمتن لوجودهم في حياته.
الستات فيهم حاجة متشابهة ، فيه احساس كدة في حضرتهم مميز ، احساس مختلف انك في حضرة ست. دي حاجة مش بتتشرح ولا بنسوق الأدلة عليها ، دي حاجة انا بحسها جدا لما اشوف اي ست في اي مكان او في اي وقت ، فيهم حاجة حلوة.
الحاجة دي اللي بتخلي البنت الصغيرة اللي في اللفة تفضل تعيط لحد ما تشيلها ايد أنثوية حتى لو ايد طفلة اكبر منها بكام سنة.

ممكن نقتبس التذييل السابق الصادم مجددا :
" Men are born between a woman's legs and spend the rest of their lives trying to get back in them. Because there's no place like home."

وممكن نكون أكتر ذاتية و نعكس تجربتنا الشخصية قائلين :
I was engendered by a woman's hands  , and I wish to die between a woman's hands , because there is no place like home.

انا مش ممكن اتصور حياتي من غير الستات، جحيم اقسم بالله.
ـــ
نستمع الآن الى أغنية ابن القمر
Hijo de la Luna
من التراث الاسباني مترجمة إلى الإنجليزية.
https://www.youtube.com/watch?v=dK_FHUe5UiE
.
.
وكل سنة و انتوا طيبين بمناسبة ان النهاردة عيد الأم في ألبانيا.

الأحد، 5 فبراير 2017

يوميات الربيع المؤجل


لطالما حسبها اصدقائي مليوني سنة وهي فقط بضع لحظات. استيقظ من قيلولتي مستقبلا حياتي المُرتبة: اتحمم. اهندم مظهري. اتوجه الى المطعم.
لم يشغلني ابدًا السؤال ماذا سيقدم المطعم بل يشغلني دومًا السؤال: من سيكونون الزبائن الاربعة هذا اليوم?
فمع سياسة حجز تشترط ان تكون زيارة المطعم مرة واحدة في العمر وكذلك مع اخفاء هوية اصحاب الحجز لحين وصولهم لطاولاتهم, يتعذر عليّ معرفة من سيتذوق طعامي هذة المرة. ليست مشكلة كبرى اذ يصحب هذا الغموض التحدي اليومي كيف سأعالج ذوق اولئك الغرباء?
تمثل لي الاطباق الاربع تحدٍ معقد يلهيني عن الحكم على حياتي ان كانت رتيبة ام مرتبة فحسب. تحدي ان يتذوق هذا الغريب ما لن يتذوقه مجددا في حياته بعد مغادرة مطعم لن يزوره مرة اخرى طوال حياته. مغامرة الطبق الذي لا يُنسى في المطعم الذي لا يُنسى من الطباخ الذي لا يُنسى. مغامرة مع طبيعة البشر; مع النسيان.
القيادة لم تكن ما تعلمته في حياتي السابقة كمدير ولم تكن من دروس حياتي كمساعد لكثير من مديري الشركات التي تدعي دومًا انها "تقود" السوق و ان بها "قادة". كانوا يدّعون لفترات طويلة انني قائد مستقبلي بل وواصلوا الادعاء اني صرت قائدًا مؤثرًا حين ترقيت كمدير.
على اية حال كانت هي الموسيقى من علمني القيادة. لم تكن البزات الرسمية طول النهار تقودني نحو المطبخ في الامسيات, بل كانت تقودني نحو الاوبرا في صحبة "قادة" الشركات المزعومين. هناك تابعت القادة الحقيقيين يقودون جيوشًا من الفنانين نحو منتج فني رائع. حينها استحال كرهي لصبحتهم الى حنين لرغبتي في زيارة الاوبرا دائما ما كان يساورني في حياتي الاولى.
وفي حياتي الاولى اختبرت الحلم و الشغف, الثنائي الذي اشاهده يوميًا في اداء مساعدي الشاب.
يراقبني الاصدقاء من خلف نوافذ المطعم الزجاجية اذ يجلسون على مقهى في الجهة الاخرى من الشارع الصغير. اعلم تمامًا من منهم يشاهد حماسي ومن منهم يشاهد رتابة لا يشفق عليّ منها سواه. اؤكد ان لا احد يشعر بالأولى مثله حين يراقبني ومن ثم اشاركه الثانية ولكن عليه.
خمسون سنة في اربع حيوات لم تكن سوى تمهيدًا و ترتيبًا لهذه الحياة المنتظرة. هذه الحياة المرتبة جدًا الهادئة جدًا المثيرة جدًا حيث في كل امسية منها اقود مطعمي ذو الاربع طاولات نحو  مغامرة جديدة مع اربعة مجهولين جدد.
-
٢٠ ابريل ٢٠١٦