الخميس، 31 ديسمبر 2015

راجل في حياتها

في فيلم الوسادة الخالية, لبنى عبد العزيز رفضت تخرج مع عبد الحليم حافظ عشان "مش بتخرج غير مع بابا"
طب و بالنسبة للي حتى ما بتخرجش مع بابا?
.
اكيد لبنى عبدالعزيز كانت بتخرج مع والدتها عادي, واكيد رمزية "مش بخرج غير مع بابا" مقصود بيها "مش بخرج مع راجل غير مع بابا"
طب وبالنسبة للي مفيش في حياتها راجل غير بابا اللي ما بيخرجهاش من الاوضة الا بتحقيق?
.
محسن كان قالي مرة ان مش فاكر مين(غالبا فرويد) كان قال ان الام هي اول ست في حياة الولد و الاب هو اول راجل في حياة البنت.
.
الحقيقة اني ما بشوفش زهو قد اللي بشوفه على وش بنت ماشية جنب والدها وعلى وشه بشاشة وفرح بيها.
وعلى ذلك انا ما بحسش بفرحة قد ما بكون ماشي مع ماما وبنقول طز للمواصلات ونتمشى شوية وتقولي نفسي اكل كذا او اعدي ع شارع كذا ونعمل ده.
زي بالظبط لما بمشي مع فريدة ونفضل نناكف في بعض ونهزر ويمكن كمان نهزر بالايد في الشارع عادي جدا وبنبقى فرحانين جدا ببعض وبالحالة دي.
.
احنا في مجتمع رغم تشدده البيّن و التزامه الزائف ومع طبيعته المشوهة فهو بيخلي الراجل يحس بأدوار كتير للست في حياته في حين انه بيجبر الست على دور واحد للراجل في حياتها.
الموضوع بيبدأ مع الطفل من اول ان اللي بتوّلده و اول ايد بتمسكه في الغالب بتبقى ست. بعدين في الحضانة ولحد تانيه ابتدائي او تالتة بتكون علاقته بمدرسات مش مدرسين مهما كان المجتمع اللي فيه متشدد ضد المرأة.
الراجل بيحس بأريحية وتعدد اختيارات في التعامل مع الست من اول حضن أبلة ابتدائي اللي بيكون اختيار بديل لحضن البنت اللي جنبه ف التختة وبيحبها من السنة اللي فاتت لحد دكتورة الجامعة و الطبيبة و الممرضة مروروا بصاحبته وزميلته و خطيبته اللي عادي يسيبها و"يختار" غيرها و مراته اللي ممكن في لحظة "مزاجه مش رايق" يطلقها و"يختار" يعيش مع غيرها او يعيش من غيرها عادي و"يختار" ياخد ولاده ولا يرميهم ف الشارع. وممكن بعدين "يختار" يسمع كلام الشيخ اللي قاله من سنة ان طلاقهم باطل.
-
محتاج هنا هامش :
في فيلم The notebook و الولاد بيقولوا لأبوهم يسيب والدتهم في دار المسنين ويرجع البيت قالهم
You're mother is my home.
-
محتاج اعدد مثلا ان البنت اللي ملهاش اخوات زي البنت اللي ليها اخوات, و البنت اللي والدها جنبها زي البنت اللي والدها مش جنبها, مش حاسة بدور للراجل في حياتها غير علاقة فرضتها غلطة مع منع الحمل ارتكبتها امها او جدتها.
المترادفات كتير في المنطقة دي و هكتفي باللي ورد على بالك و انت بتقرا.
-
محتاج هامش اقول فيه ان كلمة "ام" اكتر انسانية من كلمة "والدة" اللي بتنطوي على فِعل مادي اكتر من قيمة انسانية وروحية زي الأمومة.
-
ده مش عرض ولا تذكِرة بقدر ما هو دعوة لإن الرجالة بمختلف مراحلهم العمرية يحسوا من نفسهم ان عندهم "اوبشنز" زيادة عن اللازم في التعامل مع باقي البشر او ع الاقل زيادة عن باقي البشر اللي اسمهم ستات.
.
جملة المرأة نصف المجتمع مش منصفة للستات و جملة ان المرأة نصف المجتمع وتربي النصف الآخر قد تكون منصفة لقدر الستات مش لفرط فضلهن بقدر ما هو فرط تجريدهن من ابسط حقوقهن كبشر اللي بعض الرجالة بيستخدموها لحد ما يزهقوا منها ويسيبوها طواعية وتفضلا فيبقى "الراجل كتر خيره ".
--
الفكرة ان اي حد عنده ست في حياته لازم يبقى هو راجل في حياتها. الرجالة لازم يبطلوا يعاملوا الستات ع انهم جمادات.
.
معركة الستات الحقيقية مش حقوقهن كفئة مختلفة عن الراجل, المعركة الحقيقية هي انتزاع حقوقهن كبشر , وبعد ما الحقوق دي تيجي كلها نبقى نفكر في خصوصية بعض الحقوق وفروق بين الستات و الرجالة.
الستات لازم يشمروا كدة وينتزعوا حقوقهن انتزاعًا.
.
عاوز اختم بشوية حاجات للرجالة اللي شايفين افضلية ليهم عن الستات.
عبد الله ابن مسعود كان بيقول ان ربنا منحه درجة اعلى من الست يعني انه يفيض عليها اكتر ما تفيض عليه. طبعا مفيش راجل ممكن يفهم عليهن درجة بالشكل دة.
.
عاوز اقول برضو ان قطعًا قطعًا قوة احتمال الستات اثناء الحمل و الولادة اضعاف اضعاف قوة الراجل. وده مثبت علميًا. وحتى لو مش مثبت فممكن تشهد عليه كون الستات في اعتقادنا مش اقوياء بس وقت الجد بنشهد لهن ان الواحدة منهن ب 100 مننا!
الست فعلا جواها قوة هائلة, هي بس بتحب تهتم بحاجات تانية. بس when she does, she does.
و اي حد بيحتقر الستات ودول موجودين فعلا كتير حتي دلوقت رغم اعتبار اللي قولته فوق بديهي, اه والله موجودين, احب اقول له بالراحة على نفسك يا "روح امك" انت اللي والداك ست.
--
ده مش كلام عن حقوق المرأة او المساواة , ده كلام عن ناس عايشين معانا هنا ف نفس المجرة ونفس الكوكب ونفس المجتمع, بس واضح اننا مش شايفين ده. محتاجين انسنة المعاملة مع الستات.
انا شفت في العناية المركزة حوالي 90% من الحالات سيدات مهملات من ازواجهن!
مايصحش كدة.
.
كل راجل في حياته ست لازم يكون راجل في حياتها.
---
اخر حاجة,قريتها امبارح مصادفةً وده مكانها فعلا :
Men are born between a woman's legs and spend the rest of their lives trying to get back in them. Because there's no place like home.

الاثنين، 28 ديسمبر 2015

أنا فودافون

مرة و انا ف الصحرا ومفيش شبكة الا فودافون بتلقط بالعافية كان معايا خط فودافون اشتريته قبلها بس ما كنتش شغلته فقولت اكلم خدمة العملاء عشان اعرف الانظمة و الانترنت وكدة.
اثناء المكالمة الاولي الشبكة فصلت. وفي المكالمة التانية العاصفة قامت و انا بشرح محتاج ايه فالشبكة فصلت.
بعد شوية الشبكة رجعت ولقيت خدمة عملاء فودافون بيتصلوا بيا ونفس الشخص بيقولي انه اسف عشان ما عرفش يسمعني خاصة انه لاحظ ان فيه دوشة حواليا قبل المكالمة ما تقطع.
وبدأ يساعدني في التعرف ع انظمة فودافون.
.
الحقيقة ان رغم كوني دخول فودافون كان اضطرارا بسبب طبيعة الشبكة في الصحرا, و رغم ان دخولي فودافون بدأ بخناقة في فرع الحصري و انا بشتري الخط, ورغم اني اكتشفت امبارح ان كل مكالمات خدمة عملاء فودافون بيتم متابعتها و معاودة الاتصال بيك لدرجة انهم كلموني ع الموبايل لما عرفوا اني بكلمهم من خط ارضي عشان معاييش رصيد.
.
و بغض النظر عن ان الرسالة في فودافون ب 39 قرش :|
.
الا اني لسة متأثر لحد اللحظة دي بسلوك موظف محترم يوم العاصفة ساعدني اني اوصل لاهلي في وقت كان الوصول ده اعز و اصعب ما يمكن.
.
انا في شركة بقالي خمس سنين و رغم كدة بيبعتوا لي رسالة يقولوا كلم خدمة العملا عشان تتابع شكوتك , يعني م الاخر بيبعتوا لي كلمني شكرا!
.
مرة بشتكي من بطء الانترنت فالموظف بيقولي معلش , قلت له يعني انا لو ببعت ايميل متوقف عليه حياة حد او مستقبله هتقولي معلش لما يجرا لو حاجة? و الحقيقة ان تخوفي كان حقيقي وقتها لاني كنت في ذروة انشغالي بمشاكل تخص مستقبل وحياة ناس.
.
انا عمري ما حسيت ان ورايا شبكة تسندني غير لما دخلت فودافون و استخدمتها في اقسى الظروف. يكفي اني اقول ان انترنت فودافون اللي كنت بلقطها بالعافية في الصحرا كان اسرع من باقات شبكات تانية في قلب القاهرة.
-
الاسعار اللي بتحاسب بيها في فودافون نفس الاسعار تقريبا في شبكتي العادية ورغم كدة انا اخترت اكمل مع فودافون حتي بعد ما مشيت من الجبل و الصحرا, ورغم ان معظم ارقامي مش فودافون الا ان الدعم و انك تحس انك بتشتغل مع حد مأمن لك الدعم و بيهتم بيك ده اهم من الخمس سنين وكمان اهم من الفرق قرش او اتنين.
-
انا فخور اني فودافون وفخور ان علاقتي بفودافون رغم انها شركة قايمة على حاجات لطيفة ومهمة في اي علاقة انسانية : القصة و الدعم و الصدق.
.
انا فودافون 

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

حياة السرير رقم 8

سوف أكتب -يومًا ما- مجلدًا عن ان السجن -في ذاته- لا يقتل,  بل الشوق
الى البراح هو المميت.
ولكني الآن سأقوم -على غير عادتي- بتدوين لحظات و تسجيلها فور بل اثناء
حدوثها. فإن اخشى ما اخشاه ان أُكذّب نفسي او على الاقل لا أصدقني فيمن
لا يصدقونني ومن لن يصدقونني حين يأتي ذلك اليوم الذي سأكتب فيه مجلدًا
احكي فيه أني رأيتها تنازع -او ربما اتبين حينها انها كانت تحتضر- لا من
مرض بل من شوقٍ الى البراح.

تتلمذت على من لم يخترونني بل اخترتهم ومن بينهم ذلك الرحال الذي يومًا
قال " وثّق نفسك فقد تكون فيما بعد انت الحكاية, انت فعلا الحكاية"¹ لذلك
سأحاول توثيق هذه اللحظة التي اكتشفت فيها  -وعلى عكس حتمية ما تؤول له
هذا النوع من العلاقات- انها لم تعلمني, بل اخترت انا التعلم من مواقفها,
افكارها, مشوارها, معاناتها, حتى رموزها و اشاراتها التي لا تدرك نفسها
لها بعدا من ابعادها.
اخترت ذلك ادراكًا مني لأهمية و قيمة كيانها وتفرّده عن غيره في ان دراسة
هذا الكيان و تشّربه تعلمًا وكذلك التعلم منه سيساعدني بشكل كبير في
حياتي على كافة الاصعدة. اذ يتميز هذا النبع عن غيره بميزات كثيرة تُجمل
في القول انه نبعي الذي اندفقت منه.

في علوم الوراثة لا يخبرونك بأن جينات الشِعر انتقلت من مريد الى تميم
كما لم ينتقل اليه الخيال السحري عبر حبل رضوى السُريّ. *

ولأن هذا حكي عن لحظات النزع نحو البراح فهو حكي روحي تماما ولا علاقة له
بالبشر او اجسادهم البالية وان كانت هي مظهر ذلك النزع.
يوميًا اصرف بنفسي تذاكر ادوية متعددة الصنوف و السبب و الأثر. ورغم تحسن
الوظائف الحيوية و رغم انضباط اصوات الاجهزة المبني على الحسابات
المنطقية و النظريات العلمية, الا ان توقها و شوقها نحو البراح جليًّا
حاضرًا في عيونها وصوتها.

ولمن  لا يعلم فإن العين و القلب اجزاء مادية في الجسم ولكنها تستخدم في
كناية عن امور روحية ك"لمعة العين" و "خفقة الشوق" و مؤخرًا أُثبت ان
الصوت مادي ورغم ذلك مازلنا لا نلحظ للكلام عن الحنين و الشوق اثرًا على
الاذن بل نشعر به في "تلك الخفقة" في قلوب المستمع ونراه في "تلك اللمعة"
في عيني المتكلم او المُصدِق.

ولأن ما سبق لم يُدرّس في كليات الطب الغربية او العربية المستغربة او
العربية الاصيلة او العربية مدعية الأصالة في تشبث جاهلي بمصطلحات ميتة,
فهي اول مرة ادرك اهمية ان تكون انت طبيب نفسك. تمنيت وقتها لو اني كنت
طبيبًا كي أضع ما سبق من معرفتي بها ودراستها في sheet السرير الخاص بها
في العناية المركزة :"
التشخيص :
فشل كلوي مزمن
 ارتفاع السكر
تلوث في الدم
حنين الى البراح

أوصي ب :
انتظام جلسات الكلى
محاليل
مضادات حيوية
نافذة
اغنية تحبها
و انتظام الجلسات مع شخص تحبه ويحب ان يسمعها ( يُفضل ان تكون عين صاحبها
بها "تلك اللمعة" عندما يسمع شوقها)

التوقيع
فلان ابن فلانة"

لم ار قط في حياتي ذلك ال sheet سوى مرة قبل ساعات من كتابة هذه السطور و
لم ادرك من عدم فهمي لما كتب به اسلوبًا او لغةً اني لست طبيبا, فأنا
اعرف ذلك ولا ادعيه, ولكني ادركت كم غفلت قرونًا عن متابعة حالة
"مركوبها" ² و اغفلت عقودًا من الالحاح في وضعه في معادلة دراسة هذا
الكيان و التعلم منه.

قيل لي اني احب جميع الناس و قيل ايضًا اني مريض بالحنين. و وضع "ايضًا"
في السياق ليس تذمرًا بل هو تذكير لنفسي باستهتارًا سابقًا بتلكما
المقولتين , و اعتيادًا واتساقا حاليًا معهما.لم يكن الاتساق نابعا من
تأملات فكرية او جلسات تأمل مع نفسي و رحلة بحث عن اجوبة لأسئلتي الكبرى,
بل كان مرورا عابرا لحياتها و نشأتها و مواقفها كفيلا بأن يجزم انهما
مورثات غير مسجلة في صحيفة ال DNA لأي منا.


 اتساقًا بدأ مع رغبتي الحقيقية في ان يصبحا محوران لحياتي ولكن بشكل
منمق منتظم بحيث لا يصبح اي منهما عالة , فلا يدفعني حب الناس نحو
العلاقات غير الكاملة بل يدفعني نحو تنظيمها و وضعها في حظيرة رعاية
منضبطة, ولا يدفعني الحنين نحو حكي قصص غير مكتملة بل يمنعني من التخاذل
عن التواصل مع الاشخاص و الاماكن الذين فارقتهم ويذكرني دومًا بالوعود
التي قطعتها ويدفعني لإنفاذها و تسريع وتيرة ذلك الانفاذ بل ويذكرني
بالكتب التي لم اكمل قراءتها و يفند الحنين  مع رفيقه "حبي للناس" تلك
الكتب الى ما يستحق الاكمال وما يستحق ان لا يكتمل بحيث يتخلص ضميري من
اعباء المقولتين , المحورين اقصد.
سيصعب على المنتقد و عالِم النفس ان يفسر ما سبق على انه حنين اليها و
عرفانا وليس تفاخرا بالاتساق و غيرها من امور غير ذات قيمة بدونها.
 ان الحنين امر جيد و حالة رائعة بالذات اذا تم وصل من/ما تحن اليه.

جملة صريحة في اخر الفقرة تعيد للأذهان اهمية الوصل في حياتي بل قد تدفع
للقول بأن هذه قصة اخرى عن الوصل. لكنها ليست كذلك. هي علامة سأعود لها
بعد حين كي أُوصل حنين سيأخذني لهذه الايام العصيبة. بالتأكيد.

كتبت فقرة اخرى عن ان ثمة امور لا دليل مادي عليها ولكني مؤمن بها تتحكم
في حياتي وحياة اشد الماديين مادية. لكنني حذفتها خوفًا من اصبح مزحة
كموظف سوفيتي حاول عبثًا طوال ما بقى من حياته ان يوضح لرئيسه في العمل
(كان جنرالا) انه لم يقصد الاساءة له في السينما قبل ايام من وفاته حسرة
على عدم احساسه بأن الجنرال صدقه رغم انه صرّح له بذلك كثيرا. ³

 لن اواصل الكتابة عن "نصاحتي" في فهم علّتها فإن كان التفاخر امرًا يحبه
الرجال فأنا احب الحكي.
لذلك سأقول ان ما رآه الأمير الذي أُستعبد بعد اذلال مَلكه و أُقحم في
ساحة يصارع الوحوش و الرجال محررا من قيد الاغلال مقيدًا بغل البقاء, ما
رآه ذلك الشخص حين موته اذ رأى زوجته المقتوله تتمشى في البراح و تفتح له
باب جِنان خضراء, كان ذلك حقيقة امام ناظريه ولم يكن خيال كاتب. و ان
كانت القصة كلها خيال فإن ذلك كان حقيقة في القصة. ⁴

ان السجن لا يقتل فالكثيرون يعيشون ليخرجوا من العناية المركزة ليعيشوا
على اجهزة ضبط الكذا و ادوية ضبط الكذا كذا, ولكن الشوق الى البراح هو
الذي يدفع التوّاقين الى نزع الانابيب و فصل الاجهزة والإفاقة من المخدر
ورفض النوم و الاكل,  لعل ذلك منفذهم الأخير نحو براح سمعوا عنه وتمنوه
في دنيا كئيبة ان كانت حرة الأغلال فهي  مقيدة بأغلال البقاء.
ان الشوق الى البراح مميت و ان الموت هو نافذتنا الى كل براح نرجوه ان
يخرج بنا من اغلال الدنيا. وتلك ليست كآبة بل انني اؤكد ان البراح في
الدنيا موجود و متحقق برغم كونه صعب المنال كحضن حبيبة محجبة ومتحجبة
ومحجوبة بألف حجاب, ولكن انا هنا اتحدث عن البراح الذي نرجوه خارج هذه
الدنيا. البراح الذي أشعر براحه ادم بالضيق عندما نظر الى الارض بينما
ينزل اليها و قال : "انها صغيرة جدا وضيقة جدًا و كئيبة جدا" قالها بينما
انقبضت خفقة في قلبه و انطفأت لمعة في عينه, لنتوارث قبضة القلب تلك
وعبوس العين ذاك كلما نظرنا الى ضيق بعد براح. نستدعيهما في العناية
المركزة و المستشفيات بعد الحدائق و المتنزهات يرتسمان فينا بتقاصيلهما
تماما كما ارتسمتا على قلب وعين آدم حين نظر الى ارض الشقاء بعد سماء
الآمال و الهناء. **

ستزداد كلماتي وقعًا وألمًا وقيمة اذا لم تخرج من العناية المركزة. ستصبح
خالدة في حياتي تلك اللحظات التي كتبت هذا فيها. ربما سأستفيد بها ماديًا
او اوقف ريعها لصالح مرضى الفشل الكلوي ومرضى البراح, حين انشرها تحت
عنوان "موت سرير رقم 8 " ليحاكي أصالة كاتب لم يقبل التهجير من الارض على
ضيقها, فهُجّر من الدنيا عنوة بالموت الى البراح.***
 لكني ازهد هذه المرة في القيمة و اجزع من الالم و أنذر الدعم المادي و
المعنوي لمرضى الفشل الكلوي و مرضى البراح اذ  اكتب الآن عن حياة سرير
رقم 8 وتمسكه بالحياة و توقه نحو البراح ووعودنا المتبادلة عن براح
سنتشاركه بعد الخروج من اغلال الاجهزة الحيوية وسجن العناية المركزة و
معسكر المستشفى.

------
1- اسعد طه
* تميم البرغوثي شاعر ابن مريد البرغوثي الشاعر ايضًا و الأديبة رضوى عاشور.
2- تقرير مراكيب السيدة راء - تقارير السيدة راء - مجموعة قصصية -رضوى عاشور
3- وفاة موظف - قصة قصيرة - انطون تشيخوف
4- اسطورة وفيلم سينيمائي The gladiator
** أمي اسمها آمال و خالتي اسمها هناء.
***الكاتب غسان كنفاني و الكتاب موت سرير رقم 12

الأحد، 20 ديسمبر 2015

حنين للصعايدة

فكرة ان حد ي survive في مكان بعيد لمدة طويلة بأقل موارد ممكنة وفي اقسى ظروف الحياة الفكرة اتقدمت في روبينسون كروز و في cast away ويمكن ليها جذور حقيقيه عن بحار بريطاني مر بتجربة مماثلة.
كل ده لطيف وجميل بس بيعتمد ع فردية الشخص.
-
الغريب بقى ان ده يبقى مربوط بطائفة محددة من البشر بتعرف ت survive بعيد عن اهلها حتى بعيد عن البشر كلهم في قلب الصحرا, بيعرفوا يتكيفوا مع مشقات الحياة ويعيشوا بأقل الموارد.
يمكن ده ممكن يبقى اكثر واقعية ومنطقية اذا ارتبط بفئة ما زي العبيد او العاملين في السخرة وفي ظروف منظمة زي الاستبعاد او السخرة.
.
انما ده اكثر انسانية و اكثر تفردًا و ابهارًا لما يرتبط بطائفة زي الصعايدة.
--
الناس اللي في الجيش او في الشغل او في اي وقت معروف تمامهم اقل سبل معيشة و اكتر انتاج و اكثر تحملا و اقل اسى وتحسرًا.
 ورغم ان دماغهم ناشفة جدًا زي ماهو معروف الا انهم لما بيدخلوا ف مرحلة ال having fun بيعرفوا كويس يستمتعوا بحياتهم في اقسى ظروف. (يمكن ده يفسر ازاي قوتهم كامنة في وش الدولة رغم التهميش الحكومي و ان ده مش استكانة او خنوع ابدًا ابدًا )
-
في اغنية عن الصعايدة بتقول انهم اللي بنوا مصر و "ليل نهار ع السقّالة"
كنت كتبت من يجي تلات سنين عن ازاي المباني بتستمد قوتها من قوة ايمان اللي بانيها باللي بيعمله او حاجة شبه كدة , مع وضع الصعايدة في المعادلة اقدر اقول ان المباني بتستمد صلابتها من صلابتهم و احتمالهم.
الناس دول بنوا و اشتغلوا في اسكندرية و البحيرة على بعد آلاف من بلادهم و بنوا في ليبيا و استقروا هناك كأنهم مدن من الصعايدة و عملوا كدة ف كذا حتة في مصر وبرة مصر
-
-
اللي بنى مصر كان في الأصل صعيدي ولو مش صعيدي الاصل فهو كان صعيدي الطبع, بالنسبة له الحياة وال surviving فعل وصنعة وهو امهر الناس فيها.
"حطنا مع اكل وشرب وسيبنا سنة"
-
-
يمكن ده له علاقة بصعوبة المواصلات لبلادهم , يمكن.
---
-
النهاردة و انا بشتري حرنكش لقيت الراجل بيكلم واحد صاحبه بيقول"يابو عمو" حسيت ناحيتهم بحنين غريب زي حنين ريحة الوطن في الغربة.
-
-
من الامور اللطيفة مع الصعايدة في الجيش ,
.
 كانوا بيندهشوا جدا ان حد من بحري بيحب "الاغاني القبلي". ولسه لحد دلوقت الصعايدة بيعتبروا قربي منهم على سبيل الهزار او التريقة زي باقي الناس , ما يعرفوش اني بتحمق لهم جدا لما حد يتتريق عليهم لدرجة ان دايما يتقالي "هو انت زعلان عشان صعيدي ولا ايه"
.
عرفت ان الصعايدة لما يحبوا يقولوا لحد عجوز انك خلاص بتموت يعني ما تقفشش على الدنيا وتتخانق وكدة , بيقولوا له "انت ورقك بحّر "  في اشارة لإن شهادات الوفاة كانت بتسافر بحري  تتختم وترجع تاني :D
-
 و اكتشفت بالصدفة ان فيه عداء بين الصعايدة و اهل البحيرة لدرجة ان حد من البحيرة حكى لي ان تاجر صعيدي بيتعامل مع والده, وفي احدى الصفقات صمم الصعيدي يدفع الفلوس للبحراوي بورق 50 و 100 فلما الراجل قاله ليه ما جبتش ورق 200 ? قاله "والله البحاروة ما يمسكوا الورقة الكبيرة دي غير بعد ما الصعايدة يدوبوها" :D
-

انا بحب الناس دول :D

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

وطن من الأغنيات

"تلك الاغنيات" او "ذلك النوع من الاغنيات" الذي نحتار في تسميته ونحتار
في امره الا من الانتماء له لكونه يشبهنا, بل نحتار في تعريف انفسنا او
تحديد "من نحن" هؤلاء المختلفون عن الجموع ومختلفون عن بعضهم البعض ورغم
ذلك يجمعهم الانتماء للإختلاف. لهم هذه الحكاية.

 واحدة من " تلك الاغنيات" تبدأ  بحوار مختلف بين اعضاء الفرقة بلغة
محسوسة غير مفهومة,  اذ يجري الحوار هكذا :

يبدأ احدهم بأحرف مفخمة : بمّ با
يرد الاخر بنفس التفخيم : برا را را رم با
فيكررها اعضاء الفرق جميعا ثم يبدأون في الغناء عن عيناها التي  تعلمنا
السفر وحب الاصدقاء.. ¹
-
في احد افلامه -وعلى غير المعتاد- يمر جان كلود فاندام بقصة ذات معنى, اذ
تدفعه الاحداث لان يتم سجنه في احد اقسى سجون اوروبا الشرقية بل ويتم
الزج به في الحبس الانفرادي بهدف الضغط عليه ليصبح كباقي السجناء يعشق
العنف ويشارك في القتالات المتكررة بينهم.
وبينما هو معزول في زنزانته يسمع البطل الامريكي طرق على الجدران مصحوب
بصرخات تبدو لاول وهلة غير انسانية, ورويدا رويدا يبدأ في الطرق على
جدران زنزانته بطرقات تبدو ممنهجة فيرد عليها صاحب الزنزانة الاخرى
ويتحدثان بتلك الطرقات ويهدئان من روع كليهما بلغة اخترعاها للتو!
-
على هذه الارض ما يستحق الحياة … خوف الطغاة من الاغنيات
-
في فترة التجنيد تختلط بمختلف طوائف وعقليات الشعب كما لم ولن تفعل في
حياتك, و تكتشف بيقين لا مبدل له انك غريب عن هذا الشعب بمتعلميه و جهلته
بصعيده وشماله بموروثه وثقافته.
اذ ان لهؤلاء فنون مختلفة عما اختبرته, فنون تعجز عن اشتراط ربطها اذ
يتشارك فيها الاغنياء و الفقراء مع المتعلمين و الجهلة من الجندل للمصب,
فهل هذه ثقافتهم الحالية و انت الغريب عنها ام العكس?
-
تنفرد مع نفسك مهمها بموال صعيدي او مربعات فيكون اول المتعجبين
المستغربين لما تقول هم الصعايدة انفسهم! اذ لم يسمع احدهم من تغنيه من
قبل  و بالكاد يفهم معناه!
يتكرر نفس الامر مع البدو حين تطربك مجرودة بدوية.
يتكرر الامر مع خريجي الازهر و كليات اللغة الذين لا يفهمون حرف من قصيدة ترددها.

انها الغربة اذا! تحاول الوصول لكل حسب ثقافته فتجد ان ثقافتهم جميعا من
مسخ واحد وكأن روافدهم واحدة مثلا! هنا تجري البشرية على عكس قواعدك
النظرية. هنا الواقع.
-
اسير مع الزملاء في الطابور اصغي لهمهماتهم لعلي اجد اغنية او موال
يطربني و اتعلق به وتبدأ بيني وصاحبه صلة, فلا اجد سوى ذلك "المهرجان"
الذي كان شائعا وقتئذ.
فلا يجذبني سوى ذلك القروي الذي يدفع المجموعة للغناء وترديد اهازيج
الفلاحين في تراحيلهم. فعلى الرغم من اختلاف الاغنيات عن ثقافتي ومعتادي,
اجد في اغترابه أنس لإغترابي.

بعد ايام سيصل صديقي الى مركز التدريب و نبدأ سويا في بناء وطننا من
الاغنيات. حتى اذا اختلفنا في تذكر احد ابيات الشعر او مقاطع اغنية اتسلل
خارجا او انتظر فرصة زيارة اهلي لاحفظ مقطع جديد فأردده عند عودتي. ليصبح
مقطع الاغنية في ذهني هو اغرب ما هربه المجندون على الاطلاق!
-
نتفرق وصديقي و اعود لايام الغربة التي يتعجب فيها الجميع من الاغنيات
التي ارددها.
حتى يأتي يوم اقول فيه "بيني وبينك سور ورا سور" يائسا في صحراء العامرية
فأجد اخيرا من يردد " و انا لا مارد ولا عصفور". تم العثور على طه. وعدت
لأبني وطن جديد في هذه الغربة و مجددا, كان وطن من الاغنيات
---
في عصر الاضطهاد المسيحي ³ كان على المسيحيين اخفاء دينهم هربا من القتل
خاصة اذا كانوا في الاماكن المعمورة ولم يلجأوا للصحراء كغيرهم.
وعلى الرغم من حرصهم الشديد على اخفاء دينهم فإن دافع الانتماء للجماعة
دفع البعض لابتكار رموز تنفذ برسم صغير في المكان لتشعر المسيحي الذي يمر
منه بأنه ليس وحده و ان هناك من يشاركه معاناته, ومعتقداته وعذاب
اخفاءها.
فكان رسم السمكة يخبر من يراه بأن "مسيحي مر من هنا" او "ثمة مسيحي نجا
من القتل" او بالأخص و الأهم "لست وحدك"
--

 على عكس طه الذي جهر بكامل الاغنية حينما بدأت بها, فإن احد الزملاء وهو
ينظر لأجسادنا الملقاه على الارض متكدسة متلاصقة, احجم عن اكمال جملته
"شكل العيال دي وهي نايمة متلزقة كدة بيفكرني بشكل الج………"
ولم يجبني عندما طلبت منه ان يكمل, لكنني رأيتها في عينه "بشكل الجثث في
المستشفى الميداني".
-
في ايام السجن وبعد طول غربة و انا اردد : "بمّ با?" في صيغة سؤال ولا
اجد من يجيب عليه...
اوقعني القدر مع زميل امضى نوبات حراسة علينا في السجن وبعد تجاذب اطراف
الحديث بنينا وطن من الاغنيات استمر ساعتين بدأ بأن سمعني اهمهم ب "شيد
قصورك ع المزارع" و انتهى بسعاد ماسي و اسكندريلا و اخرين..
-
"هنادي عليك بالتمام يا صاحبي عشان تعرف اني معاك"
جملة مفادها ان احمد عبد الله سوف ينادي من بعيد بالرقم "6" بصوت عال حتى
نعرف نحن المساجين انه يسلم علينا ويرسل التحيات. فقد حول احمد ال "حد"
الذي يعتبر اكثر ما يكرهه الجندي في الخدمة الى لغة للتواصل مع زملاءه!
--
بعد ان ضاقت ادارة السجن به ذرعا قررت التخلص منه بأن اطلقت عليه احد
المساجين المسمى بالوحش فخرج عليه شخص ضخم البنية وسمين ومقنع ولا يفعل
شيء سوى الصراخ و الضرب.
وبعد ان انهال عليه بالضرب وقذفه بعيدا اذا بالوحش يطرق غاضبا على احد
الجدران فينتبه البطل انها نفس الطرقات التي كان يتواصل بها مع صاحب
الصرخات في الزنزانة المجاورة فيبدأ في تكرار نفس الاسلوب ليدرك الوحش ان
هذا الرجل هو صاحب التواصل وهو الوحيد الذي عامله -دون ان يراه- انه
انسان عاقل يمكن التواصل وليس مجرد وحش يُعقل فترة ثم يطلق كي يضرب ويكسر
ثم يعقل مجددا.
-
في اخر ايام تجنيدي قابلت طه , وللصدفة كان معنا احد من لازمتهم فترة
طويلة وكان يتعجب من اغنياتي و يستغربها, فسألت طه سؤالا لطالما سألته
لغيره على مدار عام كامل ولم يجب احد.
 سألته "بمّ با?"
فأجاب " برا را را رم با"
ورددناها سويا و بدأنا نغني عن عيناها التي تعلمنا السفر و حب الاصدقاء و
تناولنا الحديث بعدها غربة كل منا في وسط الجموع بسبب اغنياتنا. تلك
الغربة التي تدفعني للنظر لكل صديق اراه بعد انقضاء مدة التجنيد و اسأله
متيقنًا من الاجابة, و  بأحرف مفخمة : بمّ با?

الاثنين، 30 نوفمبر 2015

قبس عن نور

مش هقول اني بدأت اكتب عن حد بعينه علشان انا بكتب عن حالة, حالة من الدعم و الوفاء و التحمل و الصبر والاخلاص و الاخوية في النصح و الصدق في الدعم. 
و الاخلاص.
ممكن الخص كل القول في القول ان اهلي و صحابي و زمايلي وحتى البنت اللي بحبها, ماحدش فيهم-ولا حتى كلهم مجتمعين- ساعدني, تحملني, استمر, استقر, زي نور مختار او حتى زي جزء ضئيل من دعمها ومساندتها ليا و مشاركتها في البؤس قبل الانشراح, في الضيق قبل البراح, في الحزن قبل الافراح..
انا كدة لخصت بس ما اوفتش, خلينا نحاول نشرح حاجة يمكن نوفّي..
--
--
قبل تلات سنين من النهاردة وقبل سنة من تعارفنا, كنت كتبت قصة عن واحد تقطعت به السُبل الا من شخص يساعده نفسيا و معرفيا اسمه "نور" , وبغض النظر ان القصة حصلت لي بعدها حرفيا...
من اول ما دخلت الجيش ولقتني بمر بنفس مراحل القصة اللي كتبتها بقيت بدور على شخصية نور اللي كان في نظري احد اسباب بقاء بطل القصة رغم اني ما وضحتش ده في القصة..
.
شفتها مرة في فلان و مرة في فلانة ومرة في اهلي ومرة في زميل , بس انطبقت اسمًا ولفظًا ومعنى و سلوكًا على نور مختار..
.
انا ليه بقول سلوكا?
عشان انا كتبت الاسم و المعنى قبل تلات سنين و التشابه وارد من قبيل الصدفة , انما انطباق سلوك كتبته من تلات سنين لشخص اسمه نور وصفته الدعم المعرفي و الفكري و الانساني و تطابق ده مع سلوك وصفات نور مختار فده" قدر".
اتغير الواقع عن القصة في جزءها الاخير, بفضل تدخل نور مختار في تغيير اثر الفراشة اللي حصل في القصة بسبب انقطاع نور عن بطل القصة اللي وصله لمصير عجيب جنبنيه عدم انقطاع نور مختار و استمرارها في دعمي..
-----
--
-
ايوة يا جماعة انا كتبت قصة قبل ما تحصل بتلات سنين.
--
--
.
انا عندي حقيقة راسخة " السنة دي ما كانتش هتعدي من غير نور مختار".
.
في الوقت اللي احد الاقربَين قال "لو مش هتستحمل ست شهور اضرب نفسك طلقة" كانت نور مختار عارفة ازاي تفصل و ازاي تفضل و ازاي توصل
-
-
في السنة اللي اتقلبت فيها و اتخانقت مع ناس كتير وعلاقاتي اتضاف لها ناس و باظت و اتصلحت وباظت واتصلحت و اتخنقت اكتر ما اتنفست, في 395 يوم كان الثابت نور مختار.
--
يمنى بتقول ان الكون كله بيدور و الثابت هو ربنا. انا بقول الناس كلها بتدور و الثابت نور.
--
معرفش بكرة مخبي ايه بس الاكيد انه لازم يكون زي السنة اللي فاتت, لازم يكون منور بأنوار نور مختار.

الجمعة، 13 نوفمبر 2015

يامة في الحبس مظاليم

مشهد خلفي ١
ياما في الحبس مظاليم

في تلك السنة حدث في الإسكندرية التي تطل على البحر الوسيط ما يلي..
في حي راس التين المجاور لحي بحري, بالقرب من قلعة قايتباي التي بنيت في مكان منارة الإسكندرية البطلمية وبحجارة من هددها, توجد ييوت الصيادين بالقرب من حافة البحر. فتاة بنت صياد طالعة في المُقدر جديد, جسدها طالع متين و عقلها خايخ حبتين. حبّت البحر ولولا انها بنت لكانت من احسن الصيادين. حبّت السباحة و الغطس في المياة ذات الامواج, بسروال ثقيل وقميص ثقيل حتى لا يتعرى جسدها المهتاج. ورغم ذلك كانت الملابس وهي مبللة تلتصق بجسدها العفي المتين فتجسده نارا وهو المبلول! جار لها صغير يبيع السمك كَلِفت به وكلف بها رغم علامات جِنانها. فمال لها ومالت له. ليلا في الخفاء سبح معها مرات و مرات و على الرمال استلقيا سويا.
من سنتين خبلان الفتاة بان, فقيل ان الفتى غدر بها كعشيق جبان. استل منها عذزيتها وتركها رافضا الزواج منها فلم تغصب لما فعل! لكنها صدمت بعد ذلك لإبتعاد الحبيب التعس عنها. ثقل عليه اللوم خاصة من عجوز شكس. صارت الفتاة تأتي بأفعال غريبة فلا يهمها ان نهدها مكشوف او فخذها مكشوف كما ان على طول وجهها مكشوف. تقول اعرب الكلام وتحكي اضغاث احلام. تلعن ناس لا يراهم غيرها و احيانا تسب الدين. تسرح ليلا هائمة كشبح على الشاطئ وتقترب كثيرا من القلعة ولا يهمها زجر حارس ولا ملامساته. لم يعد يهمها ان يتابعها الأوباش ويسبحوا معها ويلاقشونها تحسيسا او حتى محاولتهم ان يركبوها. تضحك وهي نسب و تلعن ولا يعنيها اي شيء ولا يهمها كل شيء. لكن لم تؤذي اي مخلوق ولم تحك عن الشاب الذس قيل انه راودها و اسقطها في موارد التهلكة.
اسكنوها مارستان المخبولين ولم يزرها هناك لا قريب ولا بعيد ولم يسأل عنها احد من اسرتها, فقد مرضت امها وتناساها اخوها وتبرأ منها ابوها, وإن كان الفتيان يتحسرون على ايامها حيث ايام الشقاوة على الشاطئ والعوم معها في البحر واللغوصة في لحمها. كل هذا و الشاب المشكوك في امره لم يظهر عليه اي حرج وهو ينكر ما بدر منه في إباء وصَلَف! وقبل ارسالها الى المارستان كان قد عزّل من الحي تاركا المنطقة والمدينة كلها مع اسرته, فخسر مكان اكل عيشه وتركه لمن يستولي عليه بدون مقابل. ضع عليه شغله وشغل اسرته و لم يبان بعد ذلك.
البنت الشابة التي فقدت شرفها وجُنّت جِنان وحبست في المارستان, بعد ان مر عليها سنتان مرضت وهي تبتسم و ماتت وهي تضحك! اخذوها ليدفنوها في مقابر السابلة القريب من عامود السواري الذي بناه الرومان, فعطست وهم يهيلون عليها التراب وعادت لها الروح. صُدم الذين يدفنونها و جرى اثنان منهم, وهي اخذت تضحك وتضحك وهي تفك عنها الكفن فتعثّرت وعطست عطسات اخريات نتيجة للتراب الذي تسرب لمنخريها. اخرجوها وقد صارت هادئة وديعة لكنها تصر على انها جوعانة! لم يقبلوها في المارستان وقالوا انها شُفيت! اعادوها الى بيتها حيث امها حية و اخوها غرق و ابوها مات.
حكت وقالت ان الذي فعل فيها هو جارها العجوز الشكس وليس الشاب الذي كانت تحبه ويحبها وهجر الحي خزيا لشيء لم يفعله. امها صارت تولول و اسرعت نتهجم على بيت جارها العجوز ونزلت شتيمة في اهله لأنه كان في البحر في رحلة من رحلات الصيد. عادت الفتاة شبه عاقلة, والعجوز عاد من رحلة الصيد فلم يُصدم بفضيحته وبقى في الحي بدون اي شعور بالخزي و العار و إن كانت بناته المتزوجات في بحر من العار يخزيهن.
الفتاة المسكينة بقيت هادئة وكل ما عليها هو حكي ما هو غريب عن النفق المظلم الذي دخلته حين ماتت و النور في اخره, أبوها الذي على نهاية النفق يبتسم لها راضيا من بعد غضب قديم, مواسيا لها من بعد خجل من فعلتها المشينة. ثم أمها في الجانب الأول من النفق.. نادتها من خلفها و اصرت في النداء حتى استجابت الفتاة و التفتت عائدة فأعادتها الى الحياة. بقيت الفتاة في بيتها لا تخرج منه فهي لم تعد تشتاق الى البحر و امواجه. الفتيان المراهقين الجُدد يتحسرون فهم يريدون ان يفعلوا فيها مثلما فعل فيها فتيان السنوات السابقة. بعد ثلاث سنوات ماتت الفتاة مرة أخرى فكانت هي الوحيدة التي نعرفها وقد ماتت مرتين وسبحان من له آيات عظيمات يبين لنا قدرته وجبروته.

انتهى.

-
رواية خوند حمرا - حجاج ادول
ص ٢٠٣ و ٢٠٤