الجمعة، 13 نوفمبر 2015

يامة في الحبس مظاليم

مشهد خلفي ١
ياما في الحبس مظاليم

في تلك السنة حدث في الإسكندرية التي تطل على البحر الوسيط ما يلي..
في حي راس التين المجاور لحي بحري, بالقرب من قلعة قايتباي التي بنيت في مكان منارة الإسكندرية البطلمية وبحجارة من هددها, توجد ييوت الصيادين بالقرب من حافة البحر. فتاة بنت صياد طالعة في المُقدر جديد, جسدها طالع متين و عقلها خايخ حبتين. حبّت البحر ولولا انها بنت لكانت من احسن الصيادين. حبّت السباحة و الغطس في المياة ذات الامواج, بسروال ثقيل وقميص ثقيل حتى لا يتعرى جسدها المهتاج. ورغم ذلك كانت الملابس وهي مبللة تلتصق بجسدها العفي المتين فتجسده نارا وهو المبلول! جار لها صغير يبيع السمك كَلِفت به وكلف بها رغم علامات جِنانها. فمال لها ومالت له. ليلا في الخفاء سبح معها مرات و مرات و على الرمال استلقيا سويا.
من سنتين خبلان الفتاة بان, فقيل ان الفتى غدر بها كعشيق جبان. استل منها عذزيتها وتركها رافضا الزواج منها فلم تغصب لما فعل! لكنها صدمت بعد ذلك لإبتعاد الحبيب التعس عنها. ثقل عليه اللوم خاصة من عجوز شكس. صارت الفتاة تأتي بأفعال غريبة فلا يهمها ان نهدها مكشوف او فخذها مكشوف كما ان على طول وجهها مكشوف. تقول اعرب الكلام وتحكي اضغاث احلام. تلعن ناس لا يراهم غيرها و احيانا تسب الدين. تسرح ليلا هائمة كشبح على الشاطئ وتقترب كثيرا من القلعة ولا يهمها زجر حارس ولا ملامساته. لم يعد يهمها ان يتابعها الأوباش ويسبحوا معها ويلاقشونها تحسيسا او حتى محاولتهم ان يركبوها. تضحك وهي نسب و تلعن ولا يعنيها اي شيء ولا يهمها كل شيء. لكن لم تؤذي اي مخلوق ولم تحك عن الشاب الذس قيل انه راودها و اسقطها في موارد التهلكة.
اسكنوها مارستان المخبولين ولم يزرها هناك لا قريب ولا بعيد ولم يسأل عنها احد من اسرتها, فقد مرضت امها وتناساها اخوها وتبرأ منها ابوها, وإن كان الفتيان يتحسرون على ايامها حيث ايام الشقاوة على الشاطئ والعوم معها في البحر واللغوصة في لحمها. كل هذا و الشاب المشكوك في امره لم يظهر عليه اي حرج وهو ينكر ما بدر منه في إباء وصَلَف! وقبل ارسالها الى المارستان كان قد عزّل من الحي تاركا المنطقة والمدينة كلها مع اسرته, فخسر مكان اكل عيشه وتركه لمن يستولي عليه بدون مقابل. ضع عليه شغله وشغل اسرته و لم يبان بعد ذلك.
البنت الشابة التي فقدت شرفها وجُنّت جِنان وحبست في المارستان, بعد ان مر عليها سنتان مرضت وهي تبتسم و ماتت وهي تضحك! اخذوها ليدفنوها في مقابر السابلة القريب من عامود السواري الذي بناه الرومان, فعطست وهم يهيلون عليها التراب وعادت لها الروح. صُدم الذين يدفنونها و جرى اثنان منهم, وهي اخذت تضحك وتضحك وهي تفك عنها الكفن فتعثّرت وعطست عطسات اخريات نتيجة للتراب الذي تسرب لمنخريها. اخرجوها وقد صارت هادئة وديعة لكنها تصر على انها جوعانة! لم يقبلوها في المارستان وقالوا انها شُفيت! اعادوها الى بيتها حيث امها حية و اخوها غرق و ابوها مات.
حكت وقالت ان الذي فعل فيها هو جارها العجوز الشكس وليس الشاب الذي كانت تحبه ويحبها وهجر الحي خزيا لشيء لم يفعله. امها صارت تولول و اسرعت نتهجم على بيت جارها العجوز ونزلت شتيمة في اهله لأنه كان في البحر في رحلة من رحلات الصيد. عادت الفتاة شبه عاقلة, والعجوز عاد من رحلة الصيد فلم يُصدم بفضيحته وبقى في الحي بدون اي شعور بالخزي و العار و إن كانت بناته المتزوجات في بحر من العار يخزيهن.
الفتاة المسكينة بقيت هادئة وكل ما عليها هو حكي ما هو غريب عن النفق المظلم الذي دخلته حين ماتت و النور في اخره, أبوها الذي على نهاية النفق يبتسم لها راضيا من بعد غضب قديم, مواسيا لها من بعد خجل من فعلتها المشينة. ثم أمها في الجانب الأول من النفق.. نادتها من خلفها و اصرت في النداء حتى استجابت الفتاة و التفتت عائدة فأعادتها الى الحياة. بقيت الفتاة في بيتها لا تخرج منه فهي لم تعد تشتاق الى البحر و امواجه. الفتيان المراهقين الجُدد يتحسرون فهم يريدون ان يفعلوا فيها مثلما فعل فيها فتيان السنوات السابقة. بعد ثلاث سنوات ماتت الفتاة مرة أخرى فكانت هي الوحيدة التي نعرفها وقد ماتت مرتين وسبحان من له آيات عظيمات يبين لنا قدرته وجبروته.

انتهى.

-
رواية خوند حمرا - حجاج ادول
ص ٢٠٣ و ٢٠٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق