"لا اعرف" : كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان على العقل , اذ يعترف بهما العقل بعجزه عن معرفة امر ما , معرفة لا يدركها علم بها بل يدركها الشعور بها , ان كان ادراكها ممكن اصلا.
لا اعرف متى بدأ الأمر هل بدأ يوم تلاقينا اول مرة على كتاب ؟ ام بدأ قبل ذلك في قصص استهلكناها "همممممم , اشعر اني قابلتك و عرفتك من قبل الكون" وهكذا وهكذا؟
لكني لم اعرفها قبل الزمان و لم اقابلها قبل ان اقابلها , لا اعرف ولكني هذه المرة سأعتلي منصة المعرفه بثقة : اعرف متى بدأ الأمر , بدأ عندما تلاقينا على كتاب.
يجول بيننا - انا و قلبي وعقلي- صراع انتقل فيه من موقع الحكم بينهم او المتفرج المنتظر للمنتصر, الى موقع منحاز تمامًا ضد العقل.
اتمحور حول نفسي بطريقة غريبة قليلا عن المصطلح الذي بدر الى ذهنك في اول هذا السطر , فمثلا لا اسعى لأن أكون مبهر بقدر ما اسعى انا انبهر.
فألازمها غير عابئ بي او بمظهري او بسلوكي او بأن ابهرها او ابهر نفسي , فقط الازمها ناسك متأمل في هذا الكون الماثل امامه , و يغرق في التأمل لينبهر اكثر فأكثر.
ادرك ان الصفات خيانات لما تصف , أؤمن بذلك تمام الايمان , ولكن لنكمل...
بلغت من العشق درجة مذهلة , حتى اني صرت لا استسيغ او يشدني اي تعبير للمشاعر , فقصائدهم و قصص عشقهم - و ان ماتوا لها- تبدو لي كلمات ذات وزن موسيقي فقط , اذا ما قورنت بنوبة من نوبات عشقي التي اخرج فيها من نفسي لأنظر لي و انبهر!
بعد فترة , تبدو لي قصصهم و اشعارهم بلا موسيقى , تبدو كشخص يتحدث و يجعجع و انا مصمم على ان اراه في وضع ال mute.
قتلى العشق الأعزاء , رفافي السابقين , ها أنا ازايد على استشهادكم , و اخبركم ان الموت عشقا اسهل جدا من العيش عشقا , ادرك انكم ادركتم ذلك ولكني اود ان افضحكم امام العالم عله يراكم mute و يشعر بقدر مما مسني. فما مسني من شعركم شيئا ولا اشعاركم في الحب الإلهي.
الموسيقى وحدها مرجل التأمل في امري , و القلم الذي يرفض التوقف , الذي اعتاد دومًا على بناء الجسور بين مشاعري و بين كتاباتي , بيني و بين الناس , هاهو يمضي في طريقه كاتبًا عن امر عظيم و عن فتاة عظيمة و أمري تجاها.
انا شخص مبالغ , اعرف المبالغة , تنبهني اذني الوسطى حين اصلها كما تخبركم بأنكم وصلتم الحافة , ومن ذلك اخبرتني اذني الوسطى انني بلغت اقصى ما قد ابلغه في العشق , فأقتنعت و قلبي بالآتي : " مش عاوزين نحب حد تاني , ولو حصل خلينا نسلم ان ده مستوى من العشق لن نصله بعد ذلك " , وكما اعتدناه يصل صديقنا الشك في اقصى لحظات يقيننا , فنرد عليه و نزيد " و ان كان فيه اعلى من كده مش عاوزين نشوفه "
وفي ذلك , ونحن نخط الكتاب الجديد منذ ان تقابلنا حول كتاب اخر , يسأل العقل و يذكرني و قلبي بالحقائق و التناقضات بيننا , فيذكرني بأنها اخبرتني انها بدوني حرة و طائرة , و يتساءل كيف اني معها حر و طائر ؟ , يتساءل مستهزءًا , فنجيب في صوت واحد : مبهر ! مذهل!
يذكرني بالتجارب الماضية التي شعرت فيها انني بلغت المدى , كتلك التجربة التي وقعت في
ها عقدًا بمائة عام! , و لكننا وبعد ان جهزنا اجابات منطقية قد تلجمه - ولغروره لن يحدث- نصم آداننا عنه , فالعاذل يعوي والعاشق يهيم. و ان كان عاذله من بين اضلعه , و ان كان عقله , حتى و ان كان قلبه , و ان كانت هي نفسها!
- ممكن ادخل ؟
- لاء
- ليه
- عشان انتي جوه بالفعل.
زهدت فيها قبلا , و اطلقتها , ولكني لم احتمل , فكنت قاسيا على نفسي في زهدي كما كنت قاسيا عليها بوصلي , و اخبركم اصدقائي ان كل ما قيل في الزهد و اطلاق الحبيب هو محض كذب , او انه حقيقة ولكن ما ادركته انه ان كان حقيقة فإن احدا من الشعراء او الادباء العاشقين لم يكن ليحكِ عنه , لأنه ببساطه لم ينج منه.
على صِغر تكوينها تحتضن كون أعظم.
لا اضحك في صحبتها اكثر مما اضحك عندما يبلغني ان احدا حاول ايذاءها , سخر منها , اسنقلها , حينها اتذكر يوم غرست البرجل في خد اخي الاكبر و انا ألهو في صغري , لا اعلم ما هو البرجل ولا اعرف قدر اخي ولا قوته ولكني فعلتها دون اكتراث وبكل بلاهة , هكذا طريقة الناس في ايذاءها!
لا اختذل فيها الحب ولا ابتذله ولا اختصره , لكني اقول : اني احبها.
اسير مع الناس في المهرجانات , في المآتم او الاحتجاجات , في صفوف التدريبات او حتى في صحبة كلابي اثناء الجري , تنتابني نوبة عشق , فأجدني ارتدي وسام على صدري , وسام اخاذ يشد الناظرين مشدوهين , منبهرين ايضًا , تبتسم له كلابي ابتسامتي لفرحة اصدقاءي , وسام هو حبي لها افخر به امام نفسي و الكون كله , عرفه او لم يعرفه , فما بالك بحبها لي ؟ اذ يأتني
تنازلت عن الغرض و عن المطلب و عن السبب , منذ زمن بعيد , ولكن هذه المره مميز قليلا , اذ ما عدت اكترث لما ابذله ايا كان كمه او كيفه , عزلت عقلي تماما.
لكني لا انكر ان الوصل جميل , جميل جدا , اعترف ان قليله لا يكفي و كثيره لا يكفي لكنه دومًا جميل.
انصافا لرفاقي السابقين , اخبركم ان فعلا تلك اللحظات من دفء اللقاء في شديد البرد , دفء الوصل و الانتشاء به , الابتسامة التي تنسي كل شيء و تزيل الهموم -كلها- , و مساس الاخلاص لله , حتى الشرك به في المحبة! و دعاءه , فقد قالت فيما تقول " دعوة العاشق حج مبرور" , هذه اللحظات و غيرها من اللحظات التي اخبروكم بها موجودة بالفعل .
و اخبركم ايضا بأنهم حبسوا عنكم الكثير كما فعلت الآن , وذلك لعجز الوصف عن الوصف.
ولكني اعود و اذكرهم اني بلغني ما حبسوه اذ بلغته , وهو ايضا لا يقارب ما بلغته الآن و بلغني.
اخبركم ايضا بأن الكره كذب , و الألم كذب , و الشكوى كذب و حتى ما قيل في الهجر كذب , كذلك الفراق كذب , و استجداء الله ليغفره ان كان ذنبا محض كفر, وكذا كتم العشق كذب , و ان الحقيقة -كل الحقيقة- ان امر العاشق كله لذه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق