جامع الحاكم شخص في هيئة معمارية , شخص تعددت ثقافاته و مداركه , لم ينس أبدًا
هويته الاصلية بل اضاف لها مما اكتسب من ثقافات , و حمل بكل امانة مهمة نقلها إلى الاجيال القادمة , بل وكان اختفاؤه من الساحة الثقافية مجرد انسحاب احد أولئك المثقفين المخضرمين , حتى اذا المجتمع احتاج لتدخل احد حكماؤه , برز الجامع كحصن يحمي تراث هذه الامة , او كأحد فتوات حارة النحاسين ¹ يهب لنصرة و احتضان الضعيف الذي تداعى عليه البلاطجة , و كأن الجامع في بقائه هو التجسيد الواقعي لأسطورة خلود صاحبه ² وبعثه من جديد .
اما الهوية الاصيلة التي تجلت في جامع الحاكم , فتمثلت في تخطيطه الذي ينسب الى المسجد النبوي الشريف , حتى عرف بالطراز العربي التقليدي .
ونلمح هذا التخطيط في الشكل العام للجامع والذي يتوسطه صحن مكشوف تحيط به الظلات من الجهات الاربعة . . يظهر منها للعيان اتساع الظلة الكبرى التي تقع في ناحية القبلة .. تلك الثقافة التي تركزت حتى اعتبرت محلية في مصر مع تشييد جامع الفتح على يد عمرو بن العاص .
اما عن الثقافة التي حملها البناء فكان كمثله من ابناء الفاطميين حاملًا للثقافة المغاربية في البناء خاصةً تلك الاساليب المعمارية التي بدأت في درة مساجد الشمال الافريقي في القيروان و التي طورّها الفاطميون في أفريقية (تونس) وجلبوها معهم الى مصر صحبة اركان دولتهم من تنظيمات و جيوش و عقائد و كنوز وقبائل , بل وقبور خلفاءهم وذويهم .
وتمثلت الثقافة التونسية التي حملها "الأنور" في مدخله البارز المعروف بالتذكاري , وكذلك وجود مئذنتي الجامع في طرفي الواجهة , و التي ظهرت من قبل في جامع مدينة المهدية في تونس . ..
و حتى بعدما هدد المئذنتين خطر السقوط , تم بناء كسوة من الحجر حول كل منهما على طراز المنارات التونسية ³ .
وعن حماية الجامع للثقافات التي حملها , فقد كان استمرار الخطبة في الجامع⁴ باعثًا للحياة فيه طوال العصر الايوبي الذي انصرف غالبًا الى ميادين القتال عن ميادين العمارة , فأصبح الجامع صندوق امين حفظت فيه الثقافة المحلية في البناء و الهوية العربية التقليدية بالاضافة الى الثقافة المعمارية الوافدة .
حتى اذا انقضت سنوات الحرب الايوبية بصراعاتها وعاد الاهتمام للتشييد و البناء , لم يجد مهندسوا الظاهر بيبرس خير من جامع الحاكم بأمر الله ليحاكوه مشيدين جامع السلطان الظاهر متأثرين بثقافات لم يطلعوا عليها مباشرةً . . و السؤال , كيف كانت لتنتقل هذه الثقافات الى معماريو بيبرس لو لم تكن في حوزة ذلك الأمين ?!
تمر السنوات ويخبو نجمه بثقافاته التي لم تعد مطلوبة خاصة مع تطور اساليب جديدة ,
فيعود من جديد حاميًا لتراث الامة من خلال اتخاذه كمتحف للأثار الاسلامية تحت ادارة لجنة حفظ الآثار العربية , فكانت البعثات و الحفائر ولجان الجرد تجمع فيه ما ينبغي الحفاظ عليه من مخطوطات و قطع فنية و اثار منقولة ..
شيخ صار الجامع لكن ذاكرته شابة , تحفظ بسمات تلاميذ صغار كانوا يومًا في مدرسة ابتدائية احتضنها هو لسنوات . . شيخ حفظ الامانة و أداها في موعدها . . شيخ تستحضر هيبته لا تمسها دهانات التجميل , شيخ يمضي نهاره يداعب طيورًا لا تفارق رقة صحنه ترحب بك ضيفًا في تراقص , تودعك اذا ما هممت بالخروج ., واثقةً بأنها سترحب بك من جديد , فأنت يومًا لن تقاوم سحره , فأنت دومًا فقير لعليا بهاء الحاكم .
-----
1- حارة مجاورة للجامع وتدور فيها بعض قصص التراث الشعبي عن الصراع بين الفتوات
2- تقول الاسطورة التي اثارها مؤيدوا الحاكم بأمر الله بأن إختفاؤه لا يعني موته و أنه سيظل حيّا وسيعود يومًا امامًا لهم كما كان .
3- سميت المآذن في شمال افريقيا بالمنارات و كذلك سميت بالصوامع
4- والمقصود الصلوات الجامعة فكانت تقام في الجامع الأزهر و الجامع الأقمر والجامع الأنور (جامع الحاكم) في عهد الفاطميين , ولكن بعد تحول مذهب الدولة الرسمي للمذهب السنّي , استصدر صلاح الدين فتوى من الفقهاء الشافعية بعدم جواز اقامة صلوات الجماعة في اكثر من جامع في المدينة نفسها , فتقرر استبعاد الاقمر لصغر حجمه , و استبعد الازهر و اغلق لدوره كمؤسسة شيعية وتمت اقامة الخطبة في الحاكم , حتى اعاد الظاهر بيبرس الحياة للازهر . .
هويته الاصلية بل اضاف لها مما اكتسب من ثقافات , و حمل بكل امانة مهمة نقلها إلى الاجيال القادمة , بل وكان اختفاؤه من الساحة الثقافية مجرد انسحاب احد أولئك المثقفين المخضرمين , حتى اذا المجتمع احتاج لتدخل احد حكماؤه , برز الجامع كحصن يحمي تراث هذه الامة , او كأحد فتوات حارة النحاسين ¹ يهب لنصرة و احتضان الضعيف الذي تداعى عليه البلاطجة , و كأن الجامع في بقائه هو التجسيد الواقعي لأسطورة خلود صاحبه ² وبعثه من جديد .
اما الهوية الاصيلة التي تجلت في جامع الحاكم , فتمثلت في تخطيطه الذي ينسب الى المسجد النبوي الشريف , حتى عرف بالطراز العربي التقليدي .
ونلمح هذا التخطيط في الشكل العام للجامع والذي يتوسطه صحن مكشوف تحيط به الظلات من الجهات الاربعة . . يظهر منها للعيان اتساع الظلة الكبرى التي تقع في ناحية القبلة .. تلك الثقافة التي تركزت حتى اعتبرت محلية في مصر مع تشييد جامع الفتح على يد عمرو بن العاص .
اما عن الثقافة التي حملها البناء فكان كمثله من ابناء الفاطميين حاملًا للثقافة المغاربية في البناء خاصةً تلك الاساليب المعمارية التي بدأت في درة مساجد الشمال الافريقي في القيروان و التي طورّها الفاطميون في أفريقية (تونس) وجلبوها معهم الى مصر صحبة اركان دولتهم من تنظيمات و جيوش و عقائد و كنوز وقبائل , بل وقبور خلفاءهم وذويهم .
وتمثلت الثقافة التونسية التي حملها "الأنور" في مدخله البارز المعروف بالتذكاري , وكذلك وجود مئذنتي الجامع في طرفي الواجهة , و التي ظهرت من قبل في جامع مدينة المهدية في تونس . ..
و حتى بعدما هدد المئذنتين خطر السقوط , تم بناء كسوة من الحجر حول كل منهما على طراز المنارات التونسية ³ .
وعن حماية الجامع للثقافات التي حملها , فقد كان استمرار الخطبة في الجامع⁴ باعثًا للحياة فيه طوال العصر الايوبي الذي انصرف غالبًا الى ميادين القتال عن ميادين العمارة , فأصبح الجامع صندوق امين حفظت فيه الثقافة المحلية في البناء و الهوية العربية التقليدية بالاضافة الى الثقافة المعمارية الوافدة .
حتى اذا انقضت سنوات الحرب الايوبية بصراعاتها وعاد الاهتمام للتشييد و البناء , لم يجد مهندسوا الظاهر بيبرس خير من جامع الحاكم بأمر الله ليحاكوه مشيدين جامع السلطان الظاهر متأثرين بثقافات لم يطلعوا عليها مباشرةً . . و السؤال , كيف كانت لتنتقل هذه الثقافات الى معماريو بيبرس لو لم تكن في حوزة ذلك الأمين ?!
تمر السنوات ويخبو نجمه بثقافاته التي لم تعد مطلوبة خاصة مع تطور اساليب جديدة ,
فيعود من جديد حاميًا لتراث الامة من خلال اتخاذه كمتحف للأثار الاسلامية تحت ادارة لجنة حفظ الآثار العربية , فكانت البعثات و الحفائر ولجان الجرد تجمع فيه ما ينبغي الحفاظ عليه من مخطوطات و قطع فنية و اثار منقولة ..
شيخ صار الجامع لكن ذاكرته شابة , تحفظ بسمات تلاميذ صغار كانوا يومًا في مدرسة ابتدائية احتضنها هو لسنوات . . شيخ حفظ الامانة و أداها في موعدها . . شيخ تستحضر هيبته لا تمسها دهانات التجميل , شيخ يمضي نهاره يداعب طيورًا لا تفارق رقة صحنه ترحب بك ضيفًا في تراقص , تودعك اذا ما هممت بالخروج ., واثقةً بأنها سترحب بك من جديد , فأنت يومًا لن تقاوم سحره , فأنت دومًا فقير لعليا بهاء الحاكم .
-----
1- حارة مجاورة للجامع وتدور فيها بعض قصص التراث الشعبي عن الصراع بين الفتوات
2- تقول الاسطورة التي اثارها مؤيدوا الحاكم بأمر الله بأن إختفاؤه لا يعني موته و أنه سيظل حيّا وسيعود يومًا امامًا لهم كما كان .
3- سميت المآذن في شمال افريقيا بالمنارات و كذلك سميت بالصوامع
4- والمقصود الصلوات الجامعة فكانت تقام في الجامع الأزهر و الجامع الأقمر والجامع الأنور (جامع الحاكم) في عهد الفاطميين , ولكن بعد تحول مذهب الدولة الرسمي للمذهب السنّي , استصدر صلاح الدين فتوى من الفقهاء الشافعية بعدم جواز اقامة صلوات الجماعة في اكثر من جامع في المدينة نفسها , فتقرر استبعاد الاقمر لصغر حجمه , و استبعد الازهر و اغلق لدوره كمؤسسة شيعية وتمت اقامة الخطبة في الحاكم , حتى اعاد الظاهر بيبرس الحياة للازهر . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق