الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الطريق الدولي : التنمية على جثتي #ادكو

الطريق الدولي : التنمية على جثتي.

-1-

- إيه إدكو دي ؟
- تعرف محافظة البحيرة ؟
- أيوة
- إتسمت البحيرة عشان بحيرة إدكو , أنا بقى من إدكو.
* أسهل طريقة لتعريف الغريب عن إدكو*



-2-
لا أدري لماذا تبدأ الأفكار بغزو تفكيري عندما أسير على هذا الطريق , وتتوقف تمامًا عندما أبدأ بالكتابة , ربما حينها يتوحد مصيري مع من سفح هذا الطريق مصائرهم ؟

كانت البداية عندما بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ " مشروع قومي " لطريق دولي . ساحلي. سريع. ( تذكر هذه الأوصاف الثلاث جيدًا)

طريق دفع فيه أهل إدكو نصيب كبير من دمائهم و ماضي آباءهم ومستقبل أبناءهم .


-3-
 ماضي الآباء ..

تقع مدينة إدكو بين البحر المتوسط وبحيرة إدكو.
تريد الدولة أن يقطع الطريق الساحل المصري للبحر المتوسط.
يأتي الطريق في الإسكندرية لينحاز إلى طبيعة المدينة التي تطل على البحر مباشرة فيدور من حولها ليتحول الطريق " الدولي , الساحلي , السريع "  أمام الإسكندرية إلى طريق "محلي , داخلي , بطيء*".

يأتي الطريق في إدكو ليصبح أمام خيارين , فالمدينة التي لا تطل على البحر بمساكنها , تطل على البحر بأراضيها الزراعية الغناء.
هل تقوم الدولة بإحترام هذه الأراضي و أصحابها و زرعها و تتجه جنوبا للإلتفاف حول إدكو مثلما حدث لمسار الطريق في الإسكندرية ؟

بل السؤال أصبح : هل تتعدى الدولة على مصالح الفلاحين الغلابة في الشمال أم تمس مصالح رجال الأعمال في الجنوب ؟

فكانت إجابة الدولة :
 إدكو كلها ملك للدولة , مفيش حاجة إسمها وضع يد , يا إما تاخدوا تعويضات عن الأشجار ( 50 جنيه للشجرة)  و النخل ( 100 جنيه للنخلة) اللي هيتخلع , يا إما هناخد الأرض وبرضو و مفيش تعويضات.

و كان إختيار الفلاحين : الإسراع في زرع نخيل وأشجار قبل موعد الإحصاء حتى يحصلوا على تعويضات مجزية تعوضهم عن الخسائر , وببساطة : التنازل عن أراضي الآباء و الأجداد لصالح " المشروع القومي " لمصاصي الدماء.

واجب الذكر من العجب هنا أن ذلك الطريق السريع الدولي العظيم المتوازي , لا يسير على الساحل في الإسكندرية , ولا يسير على الساحل في رشيد ولكنه ينعرج ليدمر الساحل و الزرارعات و يودي بحياة الناس في إدكو فقط , ثم ينحني أمام باقي المدن. ربما لأنها مدن مشهورة و فلاحين إدكو غير مشهورين.

-4-
عن مستقبل العيال :

---بحري (شمال) الطريق :

الأولة فين أرضي ؟

 تم نزع ملكية الأراضي التي تقع بين الطريق الدولي و شاطئ البحر , وتم تسليمها ل" هيئة التنمية الزراعية " التي عملت على إفساد الأراضي و تبويرها , لتنتقل الأراضي إلى " هيئة التنمية السياحية " التي باعت في 2008 حوالي 125 فدان من الشاطئ إلى شركة وهمية يمتلكها أحد رجال أعمال الحزب الوطني مقابل 1 دولار للمتر ( حوالي 5.30 جنيه).
ومن يعرف إدكو يعرف أن خبر مثل دخول هذه المساحات الشاسعة في  إدكو تحت ما يسمى هيئة التنمية السياحية ومن ثم بيع مساحات منها لشركة سياحية من إدكو , لا يكون رد فعله سوى على طريقة عبد الفتاح القصري " سياحة؟ أنا مش شايف أيتوها سياحة! "

التانية استعمار :

بدا للمشروع بُعد آخر ما توالي ظهور توسعات شركات الغاز في إدكو , في خضم فضيحتها في خليج المكسيك , حصلت BP بريتش بتروليوم البريطانية على تخصيص أراضي لصالح إقامة مشروع بتروكيماويات في إدكو ( تم إقصاؤها بعد ذلك بمقاومة شعبية ) و يُقال ان المشروع سيعود قريبًا  للظهور مجددًا .

التالتة خوازيق :

تم إعتبار الطريق الدولي كأي طريق سريع دون النظر إلى البيئة المحيطة به , ومن ثم بدأ إصدار التصاريح للبناء على أن يبتعد البناء عن الطريق 500 متر بحد أدنى , فتحولت المساحات الخضراء الشاسعة إلى خوازيق أسمنتية , بعد أن تولت الدولة ترويع الفلاح بأن الأرض ليست ملكه , بدأ الإهمال فالهجر فالتبوير فالتجريف فالبناء. وشكرًا لمستقبل الأبناء.

الرابعة صحتي  :

تقوم شركات الغاز الموجودة في إدكو شمال الطريق الدولي الساحلي بإلقاء نفاياتها في بحرأهل إدكو , و إلقاء أموالها في جيوب المسئولين المحليين أو الحكوميين في اطار تمثيلية المسئولية الاجتماعية.

---قبلي ( جنوب) الطريق :

شق الطريق بحيرة إدكو ليمر نحو الإسكندرية  فزاد تدهور البحيرة بشكل كارثي , فالبحيرة التي كانت تنتج قطار أسماك يوميًا في أيام الملكية , بات عدد المراكب فيها بالكاد تحصيه أصابع اليد و القدم , فمع قطع الطريق لمساحات كبيرة من البحيرة إلى نصفين ( اللهم إلا بعض الكباري ) باتت البحيرة سكنًا للأشباح خاصةً مع تصاعد النباتات فيها بشكل كبير نتيجة ازدياد الصرف الصحي و الصناعي بها!

لم تعد إدكو تنتج كما كانت في السابق من أسماك أو خضراوات و فواكه  بفضل " طريق التنمية " الذي شُق على جثة المدينة .   ( يتجلى ذلك على جانبي الطريق الفروشات البائسة لأصحاب ما تبقى من مزارع الذين ينتظرون من سيارات سريعة أن تتوقف لتشتري منهم الفواكه , وكذلك الأمر مع صيادي الأسماك , وأيضًا مع صيادي الطيور ) , خراب تام و " وقف حال"


-5-
 الدم  :

تفقد إدكو شهريًا من 10 إلى 15 شخص بسبب الحوادث على هذا الطريق المشئوم لأسباب عديدة من بينها مثلا تردي أوضاع الطريق الذي أشرفت على بناءه شركة مقاولات سيئة السمعة في التعامل مع الطرق , الأمر الذي دفع لتعدد عمليات الصيانة التي تلاحقت بعد سنوات قليلة من إنتهاء المشروع و  تدفع نحو جعل طريق 120 ك.م/س يسير إتجاهين في مساحة مخصصة لإتجاه واحد ! .

 السبب الأهم بدأ في التصاعد منذ 2007 , فمع غياب الأمن تمامًا عن الطريق ومع تردي الأوضاع الإقتصادية حدثت العديد من عمليات سرقة الكابلات الكهربائية , اللطيف في الأمر أن عمليات السرقة تجري بإستخدام جرارات زراعية كان من المفترض أن تكون وظيفتها حرث الأرض التي سفحها الطريق !

أتذكر أن أولى مراسلاتي , أو بالكاد تكون الوحيدة مع إحدى الصحف , إقتبست مقولة كانت رائجة في إدكو في حوالي 2005 و التي تقول " تعرف إدكو إزاي و إنت ع الطريق الدولي ؟  أول ما توصل حتة ضلمة "  , أما الآن فبفضل غياب الأمن و تردي الأوضاع الإقتصادية أيضًا أصبح معظم الطريق "ضلمة".

-6-
 منجزات الطريق العظيم

لا عائد إقتصادي من تقليل وقت السفر مقارنة بما تم إتلافه من زراعات وما خُرب من بيوت و عائلات كاملة كانت قائمة على العمل في تلك الزراعات , فضلًا عن المثل في بحيرة إدكو.

و على صعيد تنمية الإنسان فنجد أن نتائج الطريق في تطوير الإنسان في إدكو تتراوح بين -10 إلى -15  شخص شهريًا.

وعلى الصعيد الثقافي فلا أقل من مساهمته العظيمة ( ككل شيء وشخص في الجمهورية) في نشر الجهل الحكومي من خلال نقل الطلاب من و إلى معاهد وجامعات ومراكز الإسكندرية التعليمية.

-7-
كل ما إحتاجه الأمر وقتها أن يُنظر إلى الفلاحين نفس النظرة إلى حيتان مزارع الاسماك. إحتاج الأمر لإيقاف طريق تنمية يمر عبر مدينة غنّاء مثل إدكو , فيحيل قوة بدنها إلى جثة هامدة.

----
* المقصد من بطء الطريق في الاسكندرية هو بطء مساره لا بطء سرعته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق