يبدو السؤال صادم ورغم ذلك فإن اخرجناه من سياقه الاستنكاري فقد نجد
اجابات مثل :" لا احد يخطو على جثة اخيه" و " لا احد يشرب دم اخيه ماءا "
كذلك " لا يوجد من يأكل لحم اخيه ميتًا فقد كرهنا ذلك".
كلها احلام وردية تبعد عن الواقع بعد البحار السبع. بحار من دماء الأخوة.
و ان كان السؤال "كيف تخطو على جثة ابن ابيك ؟!" سؤال استنكاري لا اجابة
له فإننا ربما نحرك الإجابه عنه في عقل القارئ من خلال الإجابة عن
السؤال : من هو ابن ابيك؟
-١-
صاحبي اللي كتفه ف كتفي
لن اتحدث عن اعمامي وقد خطى بعضهم على الآخر, ليس لأنهم ليسوا اخوة ولكن
لأن احدهم خطى فوق جسد اخيه ولم يخط بعد فوق جثته.
لكني اقول ان الأخوة ليست في غالب الأمر ذات علاقة بالأبوين. فمثلا في
المدارس كانوا يزرعون بذرة الانفصال عن المنزل - بقصد او بغير قصد-
بالقول : "زميلك اقرب ليك من اخوك شوف الوقت اللي بتقضيه مع زميلك اكتر
من اللي بتقضيه مع اخوك. ". ها قد عزى البعض الأخوة الى الوقت الذي نمضيه
سويا.
يعزز هذا القول ان يرجع ابي خلافات العائلة لأن افرادها لم تكن تجمعهم
جلسات حميمة في صغرهم وكانوا مشتتين. مجددًا, عاملي الوقت و الصحبة.
ينتفي هذان العاملان تمامًا مع اول اصطفاف لنا في المظاهرة.
-٢-
صاحبي اللي كتفه ف كتفي بيخليني مطمن
يرى كثيرون ان الطمأنينة و السكون هي مرجل العلاقات ومحركها بل وفي كثير
من الاحيان هدفها ووجهتها. و من ذلك وفي ضوء ما يعبث بنا من بطش "الأمن"
و قبضة " امنية" و مسميات "آمنة" لمسببات الرعب في حياتنا, تبدو صداقاتنا
مع ابناء الرأي المشابه ولحظات الصدق التي نشعر بها في صحبتهم و نظرات
الصدق حين نتحدث عن امر كالفساد مثلا, تبدو هذه اللحظات من اوجه الأخوة و
القرابة بيننا على الرغم من عدم تسجيل تلك القرابة في سجلات الفساد
الحكومي ( مع العلم انها مسجلة وموثقة في سجلات " الأمن" ).
ولهذه النظرات الصادقة قصص اسرد منها فزعي وغربتي حينما انظر في عيني ابي
بينما احكي له عن ظلم ما او فساد ما. لا يصدقني. لا يصرح بذلك ولا يتكلف
الكذب به. فأرى في صحبته وقرابته اشد غربة, تدفعني على الفور نحو احد
الأصدقاء المصدقين, الذين بالمناسبة يشكو اهلي من تعلقي بهم اكثر من
تعلقي بهم, و اعجز في كل مرة ان اصارحهم بأني وجدت صلة قرابة جديدة غير
"اخ, اب, ام,.اخت ".
هي القرابة التي اشتقّها امل دنقل من الأخوة و لو يسمح لي ان اعكس الأمر
هذه المرة لأشتق منها الأخوة : " تلك الطمأنينة الأبدية بينكما "
-٣-
عارفه هيفضل جنبي مهما لقاني بتجنن
" - انت ليه مصمم تزوز اهل صاحبك رغم انه مات من سنة ونص؟
- عشان لو انا اللي كنت مت كان هو هيعمل نفس الأمر "
تقول الأسطورة بأن صديقك الحقيقي سيمنعك كثيرا قبل القفز من البرج, لكنه
سقفز معك ان اصريت.
لا اجد اقوى من الشعور اليومي بملازمة الموت و الاصرار على العودة مجددا
لخط النار - سويًا- جنبا الى جنب وكتفا الى كتف, لا اجد اقوى من الحرص
على مشاركة كل شيء يتعلق بحياتنا من رأي و نشاط بل ومشاركة نفس العدو,
حتى مشاركة النهاية, لا اجد اقوى من ذلك رابطة أخوة.
ليتحول سؤالي المتعجب " احنا ازاي كنا بنحب البلد اوي كدة ف محمد محمود؟"
الى السؤال " احنا ازاي كنا بنحب بعض اوي كدة ف محمد محمود؟". مثلا.
لم اجد اقوى في لحظات علاقتي بأخي الأكبر من كونه يرافقني في هذه
المظاهرة, لا اعلم موقعه فيها ولم اره لكن كلانا قبل نزوله اغلق هاتفه و
جهز كذبة على والدته يتلوها ان عاد حيًا. كنت اشعر حينها أن بيننا ما هو
اقوى من اخوة بدأت في بيت ابي وفي ملاعب الكرة في مدينتنا الصغيرة.
اعتقد ان تلك كانت الأخوة الحقيقية بيننا.
-٤-
مش من دمي ولا ابويا ولا عمي , لكنه اختار يكون جنبي
هذه حقيقة : ليس بيني وبين من يرفض الظلم مصلحة , وليس بيني وبين من
يساند الظلم عداء. كل ما في الأمر اني لا احب الظلم.
ليس بيني وبين ضحايا الظلم اخوة من او قرابة -من المتعارف عليهما- لكن لي
في قتلهم ثأر لأنهم رفعوا عني ظلم ولو لثانية, عطلوه عن السير فوق جثتي
ولو لأمتار, روت دماءهم عطشه فكف عنّي, هدأت حُمرة الدم شهوته مؤقتًا.
المهم اني احد المستفيدين من موتهم وكنت اعلم ذلك حينها وقبلها : انهم
كبش فداء.
كانوا يعلمون - اثق في ذلك- لكننا تعودنا على تسميات اخرى غير "كبش فداء"
تلك , تعودنا على " الصف الأول" و سلوك "سواقين الفيزبا" و "المجد
للمجهول" و غيرها من معاني التضحية التي تخرج بموتهم عن منطقية أنه "
موت من اجل رأيهم" الى انسانية أنه " موت من أجل حق الجميع في التعبير عن
رأيه"
اختار كل منهم القرار الصعب اختار البقاء وراء حقي حتى الموت. (و اخص حقي
بالذكر لأن من المنطقي ان يدافع شخص عن حقه ولكنه من الانساني ان يدافع
عن حقوق الآخرين.) وفيهم تجسدت الإنسانية وبموتهم أُضيرت شديد الضرر.
من المنطقي ان يدافع الناس في بلاد بعيدة بعيدة عن حقوقهم الاقتصادية
فهذا يتعلق بقوت يومهم. ولكن من الانساني ان نشعر ان قوت يومهم لا يفرق
عن قوت يومنا في مشكلاته. ان نشعر بأن ثمة انكار داخلنا تجاه العنت ضدهم.
اقول ان الشعور بالأخوة ولا شيء اخر هو الذي يدفعنا للإيمان بأن قاتل
مسلمين يدعي انه خليفتهم لا يقل عن الكلب الذي يدعي انه اسد. و ان بدى كل
منهم غير ذلك, فإن وقع كلاهما في دواخلنا نفس الوقع. ورد فعلنا تجاه
مظاليم كل منهما نفس الرد. ذلك لأن بين المظلومين في هذه الأرض نفس
الرابط ونفس الأخوة التي لا يؤثر فيها الزمان او المكان.
-٢٦٩-
ربما تكون خاتمة القول ان غض الطرف عن اي ظلم وقع لأي شخص على هذه الارض
, حتى و ان كانت اليتيمة التي تسيء عمتها معاملتها, يضعك في نفس المكانة
-مع فارق ضئيل- مع مؤيد لحمامات الدماء والمذابح, فتلك المسكينة تجمعها
أخوة بتلك الدماء المهدرة, اخوة المظلومية التي تحرك في المظلوم الرغبة
في اعادة تشكيل التاريخ حينما يقرأه صحيحًا كما وقع ويؤمن تمام الإيمان
انه خطأ.