الأحد، 5 فبراير 2017

يوميات الربيع المؤجل


لطالما حسبها اصدقائي مليوني سنة وهي فقط بضع لحظات. استيقظ من قيلولتي مستقبلا حياتي المُرتبة: اتحمم. اهندم مظهري. اتوجه الى المطعم.
لم يشغلني ابدًا السؤال ماذا سيقدم المطعم بل يشغلني دومًا السؤال: من سيكونون الزبائن الاربعة هذا اليوم?
فمع سياسة حجز تشترط ان تكون زيارة المطعم مرة واحدة في العمر وكذلك مع اخفاء هوية اصحاب الحجز لحين وصولهم لطاولاتهم, يتعذر عليّ معرفة من سيتذوق طعامي هذة المرة. ليست مشكلة كبرى اذ يصحب هذا الغموض التحدي اليومي كيف سأعالج ذوق اولئك الغرباء?
تمثل لي الاطباق الاربع تحدٍ معقد يلهيني عن الحكم على حياتي ان كانت رتيبة ام مرتبة فحسب. تحدي ان يتذوق هذا الغريب ما لن يتذوقه مجددا في حياته بعد مغادرة مطعم لن يزوره مرة اخرى طوال حياته. مغامرة الطبق الذي لا يُنسى في المطعم الذي لا يُنسى من الطباخ الذي لا يُنسى. مغامرة مع طبيعة البشر; مع النسيان.
القيادة لم تكن ما تعلمته في حياتي السابقة كمدير ولم تكن من دروس حياتي كمساعد لكثير من مديري الشركات التي تدعي دومًا انها "تقود" السوق و ان بها "قادة". كانوا يدّعون لفترات طويلة انني قائد مستقبلي بل وواصلوا الادعاء اني صرت قائدًا مؤثرًا حين ترقيت كمدير.
على اية حال كانت هي الموسيقى من علمني القيادة. لم تكن البزات الرسمية طول النهار تقودني نحو المطبخ في الامسيات, بل كانت تقودني نحو الاوبرا في صحبة "قادة" الشركات المزعومين. هناك تابعت القادة الحقيقيين يقودون جيوشًا من الفنانين نحو منتج فني رائع. حينها استحال كرهي لصبحتهم الى حنين لرغبتي في زيارة الاوبرا دائما ما كان يساورني في حياتي الاولى.
وفي حياتي الاولى اختبرت الحلم و الشغف, الثنائي الذي اشاهده يوميًا في اداء مساعدي الشاب.
يراقبني الاصدقاء من خلف نوافذ المطعم الزجاجية اذ يجلسون على مقهى في الجهة الاخرى من الشارع الصغير. اعلم تمامًا من منهم يشاهد حماسي ومن منهم يشاهد رتابة لا يشفق عليّ منها سواه. اؤكد ان لا احد يشعر بالأولى مثله حين يراقبني ومن ثم اشاركه الثانية ولكن عليه.
خمسون سنة في اربع حيوات لم تكن سوى تمهيدًا و ترتيبًا لهذه الحياة المنتظرة. هذه الحياة المرتبة جدًا الهادئة جدًا المثيرة جدًا حيث في كل امسية منها اقود مطعمي ذو الاربع طاولات نحو  مغامرة جديدة مع اربعة مجهولين جدد.
-
٢٠ ابريل ٢٠١٦