"ستك سنية ماتت من البرد, أكلها البرد" أخبرتني أمي ذلك
طوال الوقت, مهددةً بأني إن لم أتدفئ جيدًا قبل النوم فإن البرد سوف يأكلني تمامًا
مثلما أكلها.
لم أكن أرفض أوامر أمي
بإرتداء الكثير من الملابس عندًا أو لمجرد الرفض, لكنني كنت حريص على أن أمهد
أسباب خلوتي بكتاب القصص المصورة و الكشاف أسفل البطانية, فكلما زادت تدفئتي
بالملابس قل اعتمادي على البطانية, خاصةً و أني كنت اخشى أن تعلم أمي ما أخفيه
عنها من شعوري بضيقي في التنفس كي لا تنقل وصلات التعنيف والمناجاة الإلهية إلي من
أخي الذي أصيب بنزلات مماثلة حينها.
في الصيف كانت تخبرني ألا
أطيل من بقاءي تحت البطانية حتى لا اموت, حتى لا " أفطس" من الحر, فكنت
محاصرًا طوال العام بين الخوف على حياتي من أن يأكلها البرد أو أن أموت فطسًا من
الحر.
ذات شتاء سألتها بعد
وصلة نصائح التدفئة: كيف أكل البرد ستي سنية؟
أخبرتني أن البرد هو ذلك
الغول ذو الرداء المخطط بالأبيض و الأسود الذي يخفي عينه دومًا مع مساعديه, هو ذلك
الغول الذي يقود " الأشرار الثلاثة" الذين أمضي الليل كله في قراءة
قصصهم المصورة, فكانت نصيحتها تلك المرة مضاعفة: أن أتدفئ جيدًا حتى لا يأكلني غول
البرد, و ألا أطيل قراءة القصص المصورة حتى لا يأكلونني و إن تدفئت!
كنت دومًا أُعد الكلاب و
الآرانب و القطط من جملة ألعابي, فلما تقدمت في العمر عدة أشهر و تعلمت كيف أفكك
ألعابي و أصلحها وأعيدها للحياة , تمنيت لو أني تعلمت ذلك مبكرًا قليلًا حتى
أستطيع إصلاح الكلب قبل دفنه.
" ستك ماتت"
كانت تلك جملة غريبة لا تحمل أي خبر جديد, فقد ماتت ستي بالفعل, أليس كذلك يا أمي؟
أظهر لي سؤالي أن "ستي سنية" كانت مجرد جارتنا و أن تلك السيدة التي
نواظب على زيارتها في فراش المرض بملامحها ونظارتها المشابهة تمامًا لملامح و
نظارة أمي, هي جدتي, هي ستي.
في مراهقتي, تمردت على
أهلي وعلى البرد و على الحر, فصرت أرتدي" نص كم" في شديد البرد و تحت
وطأة المطر, وأتصبب عرقًا في الحر غارقًا في معطف ثقيل. كفرت بتعليمات قبل النوم,
فلا أحد يموت من البرد و لا أحد يموت من الجوع ولا أحد يفطس من الحر.
خلت مراهقتي على عكس
الجميع من الأحلام العريضة و الشخصية الحالمة, فصرت بعدها حالمًا و واقعيًا في آن
واحد, ولا أدري كيف.
في شبابي بدأ الإيمان
بأن الجميع سيموت من البرد, الجميع سيموت من الجوع و الجميع سوف يفطس من الحر, إذا
لم يتخذ الجميع إحتياطاتها. أنهيت مراهقتي واقعيًا.
في شبابي أكل البرد كلبي
و أحرق قلبي, فآمنت مجددًا أن البرد يأكل و أن كلبي الصغير لم يحتمل, تمامًا كما
لم يحتمل صديق أخي قبلها بعام, فأكله البرد!
تقدمت بضع شهور أو سنين,
لاأعرف عدة ما تقدمت لكنني أعرف أن أشياءًا تقدمت معي, مثلا حيواناتي الأليفة التي
يأكلها البرد كل عام, أو مثلا حديثي المتداخل عن مواضيع لا علاقة لها ببعضها,
إسهابي في الإجابات كإجابتي هذه عن سؤالك الذي بالكاد أذكره, ربما كان " هل
أكل البرد جدتك يا أبي كما أخبرتني أمي؟! "
1 فبراير 2015
- الصحراء الغربية